مهتما بالبحوث والدراسات الفكرية

مسقط -العمانية:
يقدم الكاتب والباحث العماني بدر بن سالم العبري رؤيته مع الكتابة من خلال فتح نوافذ التواصل مع الآخر، فهو ينطلق من كونه مهتما بالبحوث والدراسات الفكرية، ولأنه عضو في لجنة الفكر بالجمعية العمانية للكتاب والأدباء ولديه العديد من الأعمال التي تعمل على الاقتراب من رؤى الإنسان وتطلعاته الثقافية و الفكرية وصلت إلى أكثر من ثلاثين منجزا فكريا وأدبيا، فقد أسهم ذلك في إيجاد مسار ذي خصوصية معرفية مغايرة، فهو يحاول الاقتراب من المدارس الفكرية متجاوزا الأطر الجغرافية والتزمت الفكري، والمتتبع لأعماله الأدبية والفكرية يجد ذلك الاهتمام البالغ بالإنسان (فكرا)، بالاتجاه إلى معاني القيم التي دائما ما تتقاطع مع أفكاره.

ويشير الكاتب العبري إلى أهمية هذا التوجه الفكري، وماهيته وحقيقة سلوكه، بالقول: بلا شك فإنّ الإنسان جزء لا ينفصل عن الكون وقيمه وسننه، فمن حيث ناحيته الوجوديّة مرتبط بذات ماهيّته، وهذه الماهيّة لها ارتباط بقيم ملازمة لوجوده، فلأنه إنسان مكرّم فهو قيمة ملازمة من حيث ذاتيّته وماهيّته، كما أنّها مطلقة لا تتغير بالكسب اللّاحق، والّذي سيدخل بهذه الماهيّة إلى عالم الهوّيّة، أي تكوّن الاختلاف الكسبي، فالاختلاف نوعان: تكوينيّ وكسبيّ، أمّا التّكوينيّ كاختلاف اللّون والشّكل، والكسبي كاللّغة والوطن والدّين والفكر، ويجمل القرآن الكريم هذين الاختلافين في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} [الرّوم/ 22].

ويضيف العبري: الاختلاف الكسبيّ المرتبط بالهوّيّات لا ينزع قيم الماهيّة الواحدة في الجنس البشريّ، فاختلاف الدّين واللّغة والعرق لا يرفع كرامة إنسانيّة أحد ما، وتكوّن القيم مربوطة باعتبار هذه الماهيّة كالحريّة والعدل والمساواة، وما بعدها من قيم أخرى مضافة كذلك كالعلم والكرم والشّجاعة مثلا، وعموما إذا كان مدار القيم مرتبط بهذه الماهيّة فكذلك مصاديقها، فالعدالة مصداق للعدل، وحفظ النّفس أيّا كانت مصداقا لكرامة الإنسان، فهذه الأمور الإجرائيّة تجعل البشر سواء، لا يؤثر فيهم الخلاف الكسبيّ.

ويقترب الكاتب بدر العبري ليطلعنا على هذا التوجه (فكرا)، فيوضح: دعني أقول مثلا، لماذا هذا التّوجه نحو الإنسان (فكرا)، وهو لما تراه من تقديم الهوّيّات على الماهيّة من جهة، والانغلاق حولها من جهة ثانية، ممّا يجر العالم إلى التّعصب والصّراع والأنا، فضلا عن إشاعة الكراهيّة، وما ينتج عنها من حروب ودمار، لهذا يجب ابتداء الاقتراب من هذه الماهيّة، وعليه إذا انضبط هذا الأمر سينضبط ما دونه من مصاديق وسلوكيات، ونستطيع التّعامل بإنسانيّة وعقلانيّة حتّى مع النّص الدّيني الأول، فضلا عن النّصوص التّأريخيّة، والقراءات التّراثيّة، والاجتهاد الإنسانيّ عموما.

وتوافقا مع الفكر في السياق ذاته يقترب الكاتب والباحث بدر العبري ليشير إلى المصاديق، وما إذا كانت ظرفية، ومرتبطة تاريخيا بالإنسان، وكيفية التعامل معها اليوم، وهنا يوضح العبري أن العديد من المصاديق إجرائيّة، والأصل في الأمور الإجرائيّة الظّرفيّة، وفي التّأريخ الإنساني العديد من التّجارب البشريّة الّتي نتج عنها مئات الاجتهادات الظّرفيّة، فعلينا أن نبحث عن روح هذه الاجتهادات لنقترب من القيم ثمّ الماهيّة، فالإنسان الوجوديّ واحد من خلال قيمه الوجوديّة، إلا أنّ تغير الاجتهادات والمصاديق شيء طبيعيّ ملازم لتطور الإنسان، وعليه اليوم فنحن نتعامل مع ذات الإنسان، ولكن الإنسان اليوم يعيش في عالم يختلف عن عالم قبل ألف سنة، فلابدّ أن تكون هذه الأمور الإجرائيّة مسايرة لهذا التّغير، وإلا سيحدث التّخلف والتّنافر والتّناقض.

(القيم الخلقية والإنسان)، هو نتاج فكري تكوّن ليكون ضمن (كتاب) أيضا، وقد تحدث عن الكثير من القيم والإسقاط القرآني، هنا يشير الكاتب بدر العبري إلى المحفزات التي أخذته للبحث في تلك القيم، وكيف وجد حقيقتها وخصوصيتها، ويفصح بقوله: هذا الكتاب أسبق من كتابي السابق، حيث رأيت الحديث يومها ينصبّ في ربط القيم بالهوّيّة لا بالإنسان، مع استخدام الدّين في ذلك لتحريف هذه القيم لأغراض سياسيّة أو دينيّة أو مجتمعيّة، فكتبت ثلاثين مقالا، وناقشت القيم من خلال مصاديق وأخلاقيات القرآن الكريم، فتحدّثت مثلا عن التّوحيد والحريّة والأخوّة والأمانة والرّحمة والتّعاون والوحدة والعدالة والمساواة والشّورى وغيرها، ولهذا فالقيم حقيقة إنسانيّة، والأخلاق مصاديق حسنة أو سيئة مرتبطة بخصوصيات وهوّيّات.

و(الوعي بالآخر) رسالة فكرية واضحة ودائمة لدى الكاتب والباحث العبري، كما أن انفتاحه على الكثير من القيم الإنسانية خير دليل على ذلك، وله العديد من الأعمال التي رصدت هذا الاهتمام، هنا يطلعنا الباحث العبري على مضامين هذه الرسالة الفكرية ويقول: اشتغلت من بعد عام 2017م على جهتين: جهة اللّقاءات والحوارات المسجلة من خلال القناة اليوتيوبيّة (أُنْس)، وسجلتُ أكثر من خمسمائة مادة، والجهة الثّانية جهة السّفر ولقاء الآخر ومحاورته، وهنا كانت رحلات، ارتأيت أن تكون تحت مشروع إضاءة قلم على حلقات وفق موضوع مشترك للحلقة الواحدة.

لا يبتعد الكاتب العبري عما يأخذ مشروعه الثقافي حيث تلك الإصدارات التي تصبّ في الجانب البحثي عموما، والجانب الإنساني خصوصا وهنا يشير إلى أنه أصدر عن طريق الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء كتاب الجمال الصّوتي:ّ تأريخه ورؤيته الفقهيّة 2019م، وهنا يقول العبري: هذا أكثر كتبي انتشارا وطلبا، بدليل لم يتبق منه إلا نسخ معدودة من طبعته الأولى، وهو أول كتاب عمانيّ يدرس القضيّة من خلال إسقاط النّص الدّينيّ على قيمة الجمال، وهي قيمة إنسانيّة مضافة، كما صدر لي كتاب أيام رمضان عن مكتبة مسقط 2019م، ويتحدّث عن الجانب المقاصدي والإنساني في آيات الصّيام في سورة البقرة، كما يشمل أيضا بحث زكاة الفطر بين حاجة الفقير وحرفيّة النّص، ومفطرات الصّيام المعاصرة، كما نشر لي بعض الأبحاث المحكمة وغير المحكمة كبحث الحوار الثّقافيّ ودوره في تعزيز التّماسك الاجتماعيّ، مقدّم لمنظمة الإيسسكو، نشر مجلّة التّكوين العمانيّة 2019م، وبحث مستقبل العالمين العربيّ والإسلاميّ في ضوء المتغيرات الجارية بالمنطقة والعالم (إحياء الهوّيّة ومشترك الأنسنة نموذجا)، مقدّم لمركز الدّراسات التّخصصيّة بين الحوزة والجامعة في النّجف بالعراق، ونشرته مجلّة الاجتهاد والتّجديد في لبنان 2021م.

في نهاية التطواف المعرفي يطلعنا العبري على الجديد من الأعمال التي يشتغل عليها وسترى النّور قريبا وهنا يشير: صدر لي الإنسان والماهيّة: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ، مع المفكر صادق جواد سليمان، متزامنا مع كتاب سلامة الفكر بسلامة منهج التّفكير، تجميع لمقالات صادق جواد من 2000 وحتّى 2020م، جمّعها الكاتب سعيد الهاشمي، وللمفكر صادق جواد رحمه الله ثلاثة مشاريع أخرى نرجو أن ننهيها على نهاية 2022م. كما أرجو أن يصدر لي قريبا كتاب التّعارف، تعريف بالذّات، ومعرفة بالآخر، إضاءة قلم (الحلقة الثّانية)، وهو أول كتاب عُماني يتحدّث عن الأديان من خلال أصحابها، مع فوائد فكريّة وفقهيّة ومكانيّة وتأريخيّة، وأعمل حاليا على كتاب الهوّيّة في عالم متغير، وكتاب الأنسنة والنّص الدّينيّ، وكتاب فلسفة الدّولة، مع غيرها من الأبحاث، كبحث لاهوت الرّحمة في ضوء الفردانيّة: جدليّة الماهيّة والهوّيّة، بجانب بعض التّحقيقات لكتب التّراث العماني.