سميحة بنت راشد الحوسنية:
شاءت الأقدار أن يُصاب جسد (ولايتي الخابورة) الغالية بالألم والدمار جراء الحالة المدارية (شاهين)، وأن العين لتدمع على تلك المشاهد المؤلمة التي غيّرت خارطة المكان وشوّهت بتجاعيدها الكثير من البيوت والطرقات، فكانت فصولًا لحكاية لن تنساها الأجيال، وخصوصًا سكان تلك الولايات المتأثرة بإعصار (شاهين)..
هي ليلة 4 أكتوبر التي انقضّ فيها (شاهين) بمخالبه الجارحة على شمال الباطنة ليبدد السكينة ويحدث الضجيج..
مخلّفًا أضرارًا جسيمة في الأملاك والارواح، وكأننا أمام مشاهد لمقاطع وأفلام مرعبة والتي كُنّا نعيش لحظاتها عبر المتابعة للأعاصير المدمرة عبر شاشة التلفاز. ليلة عاصفة مخيفة لم تذق عيوننا لذة النوم..
فكان الهلع والخوف وصراخ الصغار ودعوات أمهاتنا وكبار السن (رحمتك ولطفك يا رب بالعباد)، فكانت رحمة الله وعناية السماء تحيطنا بالرغم من ذاك الضجيج والصفير وشدة الرياح التي اقتلعت كل ما حولها ليكون الفجر الحزين الذي أطلَّ على ولايتنا فأبكتنا رؤيتها وهي تعاني من جراحها الدامية وغضب أوديتها يشتد حدّه ليقتلع كل ما يعيق تحركه وشموخه أثناء الجيران.
لقد عشنا تلك الليلة الحالكة والأيام التي تلتها في ظروف قاسية أشد صعوبة ومحنة، فقد انقطع التيار الكهربائي عن الكثير من القرى، وعانينا من شُح الماء وحتى شبكة الاتصال أصابها الشلل فانعدمت، فكانت محاولات الاتصال للاطمئنان عن الاهل محاولات عقيمة تجهضها اللحظات.
إنّ الملحمة الوطنية التي جسدها أبناء السلطنة ومشاركتهم لنا تلك المعاناة في مشهد لا نستطيع التعبير عنه، فهو ينمُّ عن مجتمع متآزر متعاضد.. كان له دور كبير في تخفيف الكثير من الأعباء والحزن ونحن نرى شبابنا ورجالات عمان الأوفياء يضحون بوقتهم وأرواحهم صغارًا وكبارًا.. الكل يشارك.. والكل يعمل من أجل إنقاذ الأسر المتضررة وإعادة النبض للولاية.
وما أثبتموه يا شباب الخابورة من تعاون وتكاتف يجعلنا نفتخر بكم ونعتز بجهودكم.. فلقد حلّق (شاهين) عاليًا في سماء شمال الباطنة لتكون ولايتنا احدى محطاته.. ولكن كانت وقفتكم للولاية وأهلها لها دلالات عظيمة أثناء رياح وعواصف (شاهين) التي حلّت بنا.. فأنتم في الميدان تشمرون عن سواعدكم لتعيدوا الحياة الطبيعية للولاية وتمسحون الغبار عن وجهها وجسدها الممزق.. وهذا عهدنا بكم شبابًا مخلصين.
ندعوكم اليوم ودائمًا إلى التكاتف المستمر.. فالخابورة مازالت تنزف في شوارعها وحاراتها وبيوتها التي آل بعضها للسقوط والدمار ولم تتحمل أعمدتها وأسقفها.. اليوم الخابورة بحاجة لكم أكثر من قبل لتعود الضحكات في أزقتها وطرقاتها.. لنعمل معًا لكي نعيد رونقها وجمالها وتنبض من جديد.. فلنتفقد بعضنا البعض في هذه المحنة العظيمة، فهناك الكثير من البيوت التي لا نعلم عن أحوال أهلها ولم تصلهم تلك القوافل من المؤن.. فلنكن يدًا واحدة تعمل من أجل إعادة الحياة لولايتنا العريقة..
تلك المشاهد الجميلة لشبابنا في الشوارع والحارات والعمل الدؤوب في فتح الطرقات وإزالة تلك الأكوام الثقيلة من جسد الولاية وتوزيع المؤن والمساعدات هي مشاهد لن ينساها الجميع وستظل محفورة في ذاكرة التاريخ.

مراسلة (الوطن) بالخابورة