حل اليوم على البشرية عام ميلادي جديد تلازمت بحلوله ألوان الحيف والظلم ومظاهر القتل والعنف والإرهاب وابتزاز الدول واستغلال الشعوب، واغتصاب الحقوق مع مظاهر المواجع والآلام وتسفيه الأحلام وتحقير التطلعات من قبل قوى لها تاريخ طويل وعريض في استعمار الشعوب ونهب الثروات واغتصاب الحقوق. ومع إصرارها على إلحاق صنوف العذاب والوبال بهذه الشعوب ووسط دعاية إعلامية غير مسبوقة لشعارات صادقة ينضح الحديث حولها نفاقًا بحجم تاريخ الاستعمار لهذه القوى، كان هناك على ضفتي هذه المشاهد المؤلمة والدامية من تَحضَّرَ لتقديم أوراق عمالته وخدمته من أصحاب السوابق والجرائم، ومن لهم باع طويل في التكفير والإرهاب، ومنهم من استهوته الدعاية من ذوي الانتفاع السياسي.
نعم إن 2015 عام ميلادي يأتي في ثوب جديد، لكنه محمَّل بأعباء تراكمت آلامها وأوجاعها ومآسيها وكوارثها منذ العام 2011م، ولا يبدو في الأفق أن هذا العام الجديد سوف يكون استثناء عن سابقه ويريح المكلومين والموجوعين من أبناء المنطقة خاصة الذين لسعتهم حبات "الصقيع العربي" ويخلصهم من تلك الأعباء، بل إن عناوينه في سماوات المنطقة والعالم تشي بأن منها ما هو معلق الحل بين السماوات والأرض، ومنها ما هو يتأهب لمزيد من اللواعج والمآسي والآلام.
أمس ودعنا العام 2014م وكان الأمل في بداية استقباله بأن يكون هو العام الذي تداوت فيه الجراحات وسكنت الأنفس واطمأنت الشعوب واستقرت الدول المنتهكة سيادتها، واستعاد المغيبون يقظتهم ومنزوعو الوعي وعيهم، وأن يكون العام هو خشبة الخلاص من الإرهاب والفتن الطائفية والعمالة والوكالة والتبعية، لكنه للأسف غادر دون استئذان، مديرًا ظهره وتاركًا حملًا ثقيلًا تنوء الجبال بحمله، تشي إرهاصاته بانحدار خطير ليس في التنمية الشاملة فحسب، وإنما انحدار في جميع المستويات ما يهدد قواعد السلم والأمن الدوليين وامتداد نار الفوضى الأميركية الخلاقة إلى أقطار أخرى، والتي يبدو أن نارها لن تخمد ما دام هناك من لديه استعداد لركوب موجتها من العملاء والمغيبين والمرتزقة والتكفيريين، ولديه إعجاب بالديمقراطية الرأسمالية المتوحشة وإفرازاتها.
لقد ودعنا العام 2014م، وترفض الديمقراطية الرأسمالية المتوحشة المتحالفة مع الصهيونية العنصرية أن تودع العام دون تأكيد على كراهيتها لكل ما هو فلسطيني وعربي فقطعت بسيف فيتو الظلم والنفاق والكراهية والعداء مشروع القرار الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ليتزامن مع هذه الكراهية والحقد المتأصليْنِ تجاه الفلسطينيين والعرب خروج بيادق الأميركي وعملائه ومرتزقته على الملأ لإعلان رفض الحل السياسي والحوار الوطني السوري ـ السوري، معطيًا الأميركي بذلك عنوان تحركه خلال هذا العام الميلادي الجديد، بأن لا يكون مختلفًا عن ما سبقه من أعوام مشوبة بالتآمر والنفاق والتخريب والتحريض وتشجيع الإرهاب الصهيوني وغير الصهيوني في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وغيرها.
ومع استقبالنا هذا العام الجديد وتوديعنا لسابقه، تظل فسحة الإيمان العميق بالتنمية الشاملة التي جاءت من أجلها النهضة المباركة تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حالة استثنائية في تاريخ الأمم والشعوب، فتمثل هذا الإيمان في مفردات قيمية من حيث الإقرار المطلق بقيمة الإنسان ورفع مستوى معيشته وتحسين نوعية حياته وجعله قطب الرحى الذي تدور حوله التنمية، واعتبار كل ذلك هدفًا يجب أن يضعه محركو عجلة التنمية في بلادنا نصب أعينهم، فكان أن استقرت بذلك صورة بلادنا كصاحبة تجربة رائدة في مضمار التنمية البشرية في العالم، وصارت مثالًا يحتذى في حسن اختيار معايير النهوض ومرتكزاته، وعلاقته بالتركيبة المجتمعية، ومراعاة عنصري الزمان والمكان، وأهمية دراسة علاقتهما بتسريع خطوات النهضة وضمان تحقيقها للرؤية المستقبلية للبلاد، وأيضًا ضمان استمراريتها في متوالية تتداولها الأجيال، فالإنسان هو عنوان التنمية الحقيقي ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا في ظل نهج النهضة المباركة.
ومع استقبالنا لهذا العام أيضًا ومعرفتنا بما يكتنزه، إلا أن فسحة الأمل في أن تستعيد الشعوب العربية وشعوب العالم زمام المبادرة لفتح صفحات ناصعة البياض تخط فيها أجمل ملاحم الاستقرار والتعايش السلمي والتسامح، وتعبأ الطاقات لأن تكون مشاعل نور في الخير والعلم والمعرفة والتواصل، بدل أن تعبأ بالأفكار الهدامة من قبيل التخوين والفتن والتحريض والكراهية والتكفير والإرهاب والعنف والغلو والتطرف، وأن تستلهم وتقتدي برسالة التسامح التي حملها السيد المسيح للبشرية لتتكامل تلك الصورة المتسامحة المتحابة المسالمة القائمة على حب الخير والتي عملت على رسمها وترسيخها الأديان السماوية جميعها.