خالصة العوفية:
أصبح مفهوم الأمن مفهومًا ذا شمولية أكبر عن السابق وذلك بعد التطور الحاصل في الحياة المتغيرة للعالم، فهو لا يقتصر على تهديدات القوى الصلبة) العسكرية (فحسب، وإنما يشمل تلك الجوانب المتعلقة بالقوى الناعمة كالإعلام بأنواعه وشبكات التواصل الاجتماعي والصحافة والأنشطة الفكرية.. وغيرها، والتي قد تهدد كيان وقيم وثقافات الشعوب والمجتمعات، فمفهوم (التهديد الأمني) يشكل علاقة مرتبطة بعضها البعض بجوانب متعددة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وتتأثر تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر بنمط حياة الأفراد والذي سينعكس ذلك على حياة المجتمع، مما يستدعي تحديد مصادر التهديد لاتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحقيق الأمن الشامل.
المتغيرات الدولية على الساحة السياسية كانت ولا زالت هي الفيصل في أمن المجتمعات والشعوب، فبروز قوى سياسية وتراجع قوى أخرى، شكل بذلك ذلك التباين الذي لا يمكن قياسه بردود الفعل الآنية، والتي تؤثر وتتأثر بشكل كبير على جميع المجالات، وبالتالي فإن السياسة المبنية على قيم ومبادئ راسخة هي ما تقود المتغيرات الحادثة في الساحة الدولية حاليًا للنأي عن تلك المتغيرات.
لا شك أن سياسة السلطنة كانت ولا زالت محط إشادة نحو التعاطي مع جميع المتغيرات الدولية، وهذا ما يجعل من السلطنة نقطة قوة من خلال التركيز على الجوانب الأخرى التي تخدم تحقيق الأمن، والذي لا يقتصر على الأمن الخارجي وإنما الأمن الداخلي، فرؤية السلطنة لعام 2040 ركزت على الجانب الاقتصادي بشكل أساسي من خلال تشكيل اقتصاد متطور ومتنوع ومستدام، وتوزيع عادل للتنمية في مختلف المحافظات، وحماية الموارد الطبيعية، والتركيز على التعليم ودعم البحث العلمي والابتكار، بالإضافة إلى تطوير الأنظمة الصحية، والرفاهية الاجتماعية.
إن المحاور الرئيسة لرؤية عمان 2040 تضع الاقتصاد الأولية الأولى لكونه المجال الأهم والمحرك الأساسي للرؤية، وهذا ما يجعل استجابة القطاع الحكومي والخاص ومؤسسات المجتمع المدني فاعلة في تحقيق الأمن بأنواعه سواءً الأمن الوطني أو الأمن الغذائي أو الأمن الفكري أو غيره، ولا يتأتى ذلك إلا بالفهم المشترك بين جميع القطاعات والعمل بخطط محدودة الزمن وشفافية الإجراءات والنتائج.
إن الأزمات والأحداث الطارئة تبين ماهية التخطيط، وتظهر البنية الأساسية للمقومات على جميع الأصعدة، واللبنة الأساسية في العمل كفريق واحد، وهذا ما جسدته الهوية العمانية، واللحمة الوطنية والمواطنة، والقيم الدفينة والمغروسة في كيان الوطن، والعمل المضني والدؤوب، والتي ظهر في إعصار شاهين من تكاتف بين جميع القطاعات والمجتمع، وأظهرت قدرة وامكانيات وصلابة وقوة المجتمع الحكومية وغير الحكومية نحو الوقوف ضد أي أزمات طارئة قد توقف أو تأخر الاستراتيجيات الوطنية نحو تحقيق الرؤية، فأي رؤية إذا لم تكن هناك قيم أساسية ترتكز عليها لا يمكن تحقيقها.
متفائلون بمستقبل أكثر إشراقًا مع وجود المكونات والقيم المجتمعية الكفيلة بتحقيق غاياتنا إن نظرنا إلى أولوياتنا القادمة، باستجابة فاعلة من خلال دراسة فعلية للمتطلبات والتركيز على تنفيذ خطط قريبة المدى للتوظيف واستغلال مجال السياحة ومجال الابتكار والبحث العلمي.

كاتبة عمانية