عادل سعد:
بين فرضية الاضطرار إليها، وحقيقة أن فائدتها لم تنعدم، تحتل مخلفات الاستخدام البشري العام واجهة الاهتمام الاستثماري في الكثير من دول العالم بوصفها مصادر لا يجوز الاستهانة بها، إذ يعد إهمال توظيفها عبئًا خانقًا ممولًا لضغوط التلوث والمحاصرة المكانية، بل والنفسية أيضا مع اشتداد دورة الاستهلاك واستنزاف الموارد.
لقد استوقفتني مقالة في (الوطن)، عدد يوم الخميس الماضي وبالذات على صفحة محليات لسليمان بن سعيد الهنائي عن (الاقتصاد الدائري) شخَّصَ فيها وجود غياب وتأخر، وفجوة يستخف أصحابها بقيمة إعادة تدوير المخلفات والإفادة منها في الإنتاج العام على مستوى النشاطات الاقتصادية العمانية، وذهب الكاتب واصفًا جسامة الهدر في هذه المواد مشيرًا إلى الخسارة المترتبة من جراء ذلك. وإذا كان الكاتب قد انتهى إلى التحذير من عدم الانتباه المزمن إلى هذا الموضوع، فإن الحقيقةَ الماثلةَ الآن عالميًّا ترى في تدوير المخلفات والنفايات مصدرًا أساسيًّا للتخفيف من الضغوط الاستهلاكية على المواد الأولية التي تتطلبها دورة الإنتاج.
إن زيادة الطلب على المواد الأولية ومصادر الطاقة التقليدية قد أحدث خللًا لوجستيًّا في هذه المصادر، في حين أن إعادة تأهيل المخلفات والإفادة منها خطوة اقتصادية بمعنى الترشيد من شأنها كفالة حدٍّ معيَّن من التوازن مع حقوق الطبيعة المحيطة بنا، وكذلك تقليل المزاحمة التي تسببها كثرة المخلفات واضطرار اللجوء إلى الطمر أو التخلص منها حرقًا أو بوسائل أخرى، الوضع الذي يزيد حجم الكلفة المالية الإجمالية.
إن هناك العديد من الفرص المهمة في الإفادة من الأنقاض والنفايات الصناعية والزراعية، أو التي تصنف كمخلفات للحياة البشرية والحيوانية المباشرة، ومنها فضلات تغذية ومخلفات أدوات منزلية بما فيها أغلفة حاجات نقتنيها، فحسب معلومات متيسرة أن مخلفات السيارة الواحدة يمكنها أن توفر أكثر من عشرين صنفًا للإفادة من مخلفاتها وحدها، ابتداء من الإطارت والبطارية إلى كتلة السيارة بعد انتهاء عمرها الافتراضي، وكذلك الحال بالنسبة لمخلفات الصناعات الورقية والأثاث المنزلية والأدوات الكهربائية والإلكترونية، خصوصًا وأن العالم دخل مرحلة جديدة لما يعرف (أجيال السلع) وما يترتب على تعاقبها من نزعات الاستبدال والامتلاك.
من التجارب التي تستحق الإشادة، برامج تجري في الهند لإعادة تدوير الفضلات البشرية والحيوانية في إنتاج أنواع مهمة من الأسمدة والأعلاف والأدوية والمياه الصالحة للشرب ومواد تجميل، وأوانٍ ومواد بناء واستخدامات أخرى.
بخلاصة معلوماتية، دخل التدوير الاقتصادي على مستوى التصنيف الائتماني في تقييم أي اقتصاد وحجم ونوعية الدورة الإنتاجية التي يعتمدها إلى جانب ما يشهد العالم الآن من منافسات واحتكار فرص وتسجيل المزيد من براءات الاختراع وحماية الملكية الفكرية. وإذا كانت الخشية الأشد في التراجع الاقتصادي والانكشاف هي من الركود والتذبذب والانكماش وارتفاع معدلات التضحم وازدياد كلفة الديون وضعف حركة التوظيف والتسويق، فإن العوز في تدوير المخلفات أو ضعف الإفادة منها بات سببًا واضحًا لتواضع أي اقتصاد أو عدم قدرته على سداد الاستحقاقات المطلوبة منه.
وبخلاصة تحليلية، لا شيء زائد عن الحاجة من المخلفات، أو لا أنقاض خارج تغطية القيمة العامة للتنمية صناعيًّا وزراعيًّا وخدميًّا. وللمقارنة فحسب، فإن العبء الاقتصادي العُماني الذي أشار إليه سليمان الهنائي يبدو هينًا قياسًا بأعباء اقتصادات دول أخرى وصل فيها ضغط المخلفات معدلات كارثية وقد تحولت إلى عشوائيات غير مسبوقة بعد أن تسربت أطنان منها إلى مواقع كانت محصنة ضد هذا النوع من المزاحمة المكانية والبيئية.