عملت السَّلطنة منذُ تفشِّي جائحة "كوفيد-19" على تقليل الأضرار الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة النَّاجمة عن الجائحة، واتَّخذت ـ في سبيل تحقيق ذلك ـ العديد من الخطوات التي أثبتت نجاحها في وقتٍ لاحقٍ، خصوصًا مع بدء عودة الأمور إلى طبيعتها، ما قَبْل تفشِّي الوباء العالمي. فقد تحرَّكت الجهات المعنيَّة وفق توجيهات ساميَة بحسْم، ووضعت تخفيف الآثار المُترتِّبة أولويَّة أساسيَّة لترسيخ جذور التَّعافي، واستطاعت تحقيق التَّوازن بَيْنَ إجراءات الضَّبط المالي الكبيرة والدَّعم الكبير للقطاعات الأشد تضررًا؛ بهدف تقليص مَواطن التعرُّض للمخاطر على مستوى الماليَّة العامَّة، ووضع الدَّين على مسار تنازلي ثابت، تستطيع البلاد من خلاله مواصلة خطواتها الطَّموحة نَحْوَ التَّنويع الاقتصادي، دُون ترْك الفئات الأشد تضررًا فريسة للتَّداعيات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة للجائحة.
وكان للبنك المركزي العُماني وقراراته دَوْرٌ كبير فيما تمَّ إنجازه في هذا الصَّعيد، واستطاع القطاع المصرفي الإسهام بما يملكه من قدرات، حيث حرص البنك المركزي على الاستفادة من القدرات الكبيرة للقطاع المصرفي العُماني عبْر الموازنة بَيْنَ الضَّبط المالي الذي تتركَّز إجراءاته في البدايَة لمعالجة مَواطن الضَّعف على صعيد الماليَّة العامَّة وبَيْنَ توفير الدَّعم اللازم للتَّعافي، بالإضافة إلى الحرص على الإبقاء على هوامش الأمان القويَّة المتوافرة منذُ فترة ما قَبْل الأزمة، وهي موازنة ليست سهلة بالتَّأكيد، لكنَّ حُسْن التَّخطيط والحسْم في اتِّخاذ القرارات، والسَّعي للحفاظ على الاستقرار المالي للبلاد كان له دَوْرٌ في تحقيق تلك المُعادلة الصَّعبة، التي نالت إشادات دوليَّة من العديد من الجهات المختصَّة، وعلى رأسها صندوق النَّقد الدولي الذي أشاد بالإجراءات التي اتَّخذتها السَّلطنة لاحتواء آثار جائحة فيروس كورونا المُستجد، حيث أشار تقرير الصُّندوق إلى أنَّ السِّياسات الماليَّة المتَّخذة في عام 2021 والخطَّة الماليَّة متوسطة المَدى (2020 ـ 2024) تعمل على إيجاد توازن بَيْنَ إجراءات مُعالجة مَواطن الضَّعف في الماليَّة العامَّة ودعم التَّعافي الاقتصادي والحمايَة الاجتماعيَّة.
إنَّ تلك الجهود قد حقَّقت إلى حدٍّ كبير المرجوَّ منها، وهو ما أكَّده التَّقرير السَّنوي للبنك المركزي العُماني في عدده التَّاسع حَوْلَ الاستقرار المالي لعام 2021م، والذي أشار إلى تحسُّن النَّظرة المستقبليَّة للاستقرار المالي في السَّلطنة مع اتِّساع نطاق الحملة الوطنيَّة للتَّحصين ضد "كوفيد-19" والعودة التدريجيَّة للأوضاع الطبيعيَّة، كما سلَّط التَّقرير الضَّوء على التحدِّيات التي نتجت عن تفشِّي الجائحة وتأثيراتها، موضِّحًا أنَّ التَّدابير والسِّياسات، التي اتَّخذتها الحكومة والبنك المركزي العُماني في سبيل دعم المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة والأفراد المتضرِّرين من الجائحة، قد ساعدت على تجنُّب أزمات حادَّة وتسريع وتيرة التَّعافي الاقتصادي. ووفقًا للتَّقرير، فقد قام القطاع المصرفي بدَوْرٍ أساسي في دعم الاقتصاد الوطني من خلال تخفيف العبء على المقترضين المتأثرين، وتأجيل دفع أقساط القروض، علاوة على زيادة الائتمان الممنوح لاستيفاء الاحتياجات التمويليَّة للاقتصاد.
ويبقى أنْ ندرك أنَّ ما تمَّ تحقيقه من نجاحات في هذا الصَّدد، لا بُدَّ أنْ يُستكمل، ويستمرَّ العمل بالتَّدابير التي اتُّخذت إلى أنْ تترسَّخ جذور التَّعافي، خصوصًا مواصلة تقديم الدَّعم للقطاعات المتضرِّرة وتعزيز بيئة الأعمال، لا سيَّما وأنَّ العديد من المؤسَّسات الاقتصاديَّة الخاصَّة، وعلى رأسها الصَّغيرة والمتوسِّطة بالإضافة إلى الأفراد، قد تأثَّروا وتضرَّرت أعمالهم جرَّاء الإغلاق الذي صاحب الجائحة، فحتى يُبنى على ما تمَّ من خطوات ناجحة، يبقى من المُهم استكشاف مدى إمكانيَّة إكساب أدوات التَّعامل مع حالات الإعسار، وإعادة هيكلة الدَّين مزيدًا من القوَّة بغيَة تيسير إعادة توزيع الموارد.