د. خصيب بن عبدالله القريني:
تمثِّل قضية الاهتمام بالبيئة أهمية كبرى لدى مختلف دول العالم، إذ نتشارك جميعنا في كوكب واحد، مهمتنا افتراضيا أن نتعاون من أجل أن نحافظ على ديمومته واستمراريته للأجيال القادمة. وتتنوع تلك المجالات المرتبطة بالبيئة باختلاف عناصر ومكوِّنات البيئة نفسها أيضا، رغم أنها في النهاية كل متكامل لا يمكن تجزئته لترابط عناصره فيما بينها. ولتأثر وتأثير أي مكوِّن في بقية الأجزاء أيضا.
كل هذه المقدمة أسوقها ونحن نعتقد فقط بأن موضوع البيئة هو شأن مرتبط بالدول والمنظمات العالمية ولا يعني الأفراد شيئا، وإذا كان هنالك من مسؤولية فهي تتمثل في رمي المخلفات في أماكنها الصحيحة فقط، وعندئذ تنتهي مسؤولية الفرد ويكون قد نال العلامة الكاملة في المحافظة على البيئة. للأسف الشديد أن غالبيتنا لم يعِ مفهوم المحافظة على البيئة كما يريده منظرو البيئة في العالم، إذ ما زلنا نحبو في عملية فهمنا وتطبيقنا لمتطلبات هذا المفهوم، وفي اعتقادي الشخصي بأن موضوع التوعية البيئية الفردية الصحيحة هو الأساس الذي يجب الاتكاء عليه في عملية حماية البيئة واستدامتها للأجيال القادمة، إذ من الملاحظ أن الوعي البيئي هو المنطلق الحقيقي لموضوع حماية البيئة والدول التي حققت نجاحات في هذا المجال هي التي ركزت على جانب الفرد، وغرست في وجدانه أهمية هذا الموضوع وبطرق تتناسب مع مستوى فهم ذلك الإنسان، وفي المقابل يعد فشل غالبية الدول في هذا المجال منصبًّا أيضا على نفس النقطة وبطريقة مغايرة تماما.
لماذا أركز كثيرا على هذه النقطة في الأساس؟ باختصار لأن البيئة لا يمكن أن تتحسن إلا بمن يتفاعل معها، ولا يمكن أن تتدهور إلا به، وفي المقابل يجب على الإنسان أن يدرك أيضا أن وجوده واستمراريته تتطلب تعاملا جيدا مع البيئة، لو تم إدراك هذا الجانب وأن لا سبيل للاستمرار إلا بالمحافظة على البيئة عندها سيستوعب الإنسان الدرس. أثناء زيارتي لبعض الدول أشاهد كيف يحافظ الكثير من الناس في تلك الدول على مختلف عناصر بيئتهم؛ لأنهم أدركوا ضرورة ذلك، وأن حياتهم مرهونة بمدى قدرتهم على المحافظة على موارد وبيئة المنطقة التي يعيشون فيها، حينها حافظوا على استدامة الكوكب وشاركوا بفعالية في جهود دول العالم في هذا الشأن.
من المواقف التي شدتني فيما يتعلق بمسألة أهمية الوعي الفردي في موضوع البيئة حلقة من برنامج "بي بي سي اكسترا" تتحدث عن موضوع الموضة المستدامة، وفكرتها تتمحور حول أهمية وعينا بموضوع الموضة للملابس التي نلبسها، وكيف يمكننا المحافظة على البيئة عن طريق تقليل شرائنا للملابس واللهاث الدائم وراء أحدث ما توصلت له دور الموضة في العالم؟ واستضافت الحلقة مجموعة من الأشخاص الذين لا يهتمون بمجال الموضة، ويركزون على أنماط محددة في اللباس لدرجة أنهم يستعيرون بعض الملابس للمناسبات التي لا تتكرر كثيرا، ويشترون ملابس مستعملة بدل الجديدة، بل ويصنعون ملابسهم بأنفسهم، وكل ذلك فقط من أجل الحفاظ على البيئة. وقد أظهر البرنامج إحصائيات صادمة عن حجم تأثير الملابس على البيئة وكيف تسهم بوجود غازات دفيئة تضر بكوكب الأرض؟ وكيف يمكن لكل فرد منا أن يساعد بوعيه في عملية المحافظة على البيئة بتقليل استهلاكه للملابس التي تكدس بشكل هستيري لدى البعض؟ من هنا تظهر أهمية وجود وعي فردي في مجتمعاتنا، إذ لا يدرك الكثير منا أننا نضر البيئة من حيث لا ندري، وكل ذلك بسبب قلة وعينا بهذا الموضوع.
إن العمل وفق منظومة متكاملة تدفع الفرد للمساهمة في الحفاظ على البيئة انطلاقا من ممارساته التي قد لا يدرك كنه ضررها هو السبيل الناجع لديمومة هذا الكوكب.