خميس بن حبيب التوبي:
لم تكُنِ الإهانةُ التي وجَّهها مُمثِّل كيان الاحتلال الإسرائيلي لمنظَّمة الأُمم المتَّحدة ومِن على مِنْبرها تعبيرًا عن رفْضِ مضمون تقرير مجلس حقوق الإنسان التَّابع للمنظَّمة الدوليَّة والذي يُدين جرائم الاحتلال بحقِّ الفلسطينيِّين، بقدر ما تؤكِّد النَّظرة الاستعلائيَّة الإسرائيليَّة تجاه المنظَّمة، والمكانة الدونيَّة، وأنَّها مجرَّد مُحلِّل لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، بل يجب أنْ تبقى على ذلك، وأنْ لا تحيد عنه قَيْدَ أُنملة.
إنَّ السُّلوك الاستعلائي والتَّعامل الدبلوماسي غير المُهذَّب الذي أبداه جلعاد إردان سفير كيان الاحتلال الإسرائيلي لدى الأُمم المتَّحدة، بتمزيقه نسخةً من التَّقرير السَّنوي لمجلس حقوق الإنسان، وذلك من على مِنْبر الجمعيَّة العامَّة للمنظَّمة الدوليَّة في نيويورك، ليس الأوَّل من نَوْعه بعد قيام مُمثِّل الاحتلال الإسرائيلي الأسبق حاييم هرتسوغ بتمزيق قرارٍ أُممي يساوي الصهيونيَّة بالعنصريَّة، ولكنَّه من المؤكَّد لَنْ يكون الأخير، لا سيَّما وأنَّ كيان الاحتلال الإسرائيلي يعلم تمامًا القيمة والمكانة الحقيقيتَيْن لدى القوى الامبرياليَّة الاستعماريَّة المُسيطرة على المنظَّمة الدوليَّة، واللتين من أجلهما اُغتُصبت أرض فلسطين وأُقيم على أنقاضها، والدَّوْر المنوط بهذا الكيان الاحتلالي الاستعماري، وتدعيمه بكُلِّ وسائل الدَّعم والتَّمكين عسكريًّا واقتصاديًّا ودبلوماسيًّا لِيَكونَ الخنجر المسموم الدَّائم في خاصرة العرب، والأداة الكفيلة بتشتيت العرب وتمزيقهم، ومنع تقاربهم ووحدتهم؛ ليسهل على قوى الاستعمار والاستكبار استمرار سيطرتها على مقدَّرات دول الإقليم وشعوبها ونهب ثرواتها من بوَّابة حاجة هذه الدول إلى دَوْر القوى الاستعماريَّة في تسوية الصِّراع العربي ـ الإسرائيلي القائم، والمساعدة في الاعتراف بحقوق الشَّعب الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينيَّة المُستقلَّة وعاصمتها القدس الشريف.
من أَمِنَ العقوبة أساء الأدب، وما أبداه مُمثِّل الاحتلال الإسرائيلي من سلوك بعيد عن اللياقة الدبلوماسيَّة نتيجةٌ طبيعيَّة لحالة الدَّلال التي يعيشها كيان الاحتلال الإسرائيلي والتي وضعته فوق القانون برعاية وقرار من القوى المُهيمنة على الأُمم المتَّحدة التي جعلت منها تارةً وسيلةً لتشريع جرائم وحروب ضدَّ دول، وتارةً أخرى منبرًا للباطل والظُّلم في مواجهة الحقِّ والعدْل. "فخلال جلسة خاصَّة للجمعيَّة العامَّة الليلة (قبل) الماضيَة عرضت فيها رئيسة مجلس حقوق الإنسان نزهة شميم خان تقريرها السَّنوي، هاجمَ ممثِّل الاحتلال جلعاد إردان المجلس ومزَّق تقريره الذي تضمَّن إدانةً واضحةً للاحتلال على جرائمه بحقِّ الفلسطينيِّين بما فيها خلال عدوانه على قطاع غزَّة في مايو الماضي وقراره الذي يَنصُّ على تشكيل لَجْنةِ تحقيق دوليَّة مُستقلَّة ودائمة للنَّظر في انتهاكات سلطات الاحتلال للقانون الدولي الإنساني وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينيَّة المُحتلَّة منذُ أبريل الماضي والتقدُّم بتوصية لإنهاء الإفلات من العقوبة عن مِثْل تلك الجرائم وإنصاف الضَّحايا".
وإزاء هذا السُّلوك الشَّائن والإهانة الإسرائيليَّة المُوجَّهة للأُمم المتَّحدة، تبدو المنظَّمة الدوليَّة أمام مِحَكٍّ جديد؛ إمَّا أنْ تبلع الإهانة وتَصْمُت وتواصل دَوْرها البَاهت تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة، وإمَّا أنْ تُثبت أنَّها ليست مجرَّد أداة بِيَدِ قوى الاستعمار والاستكبار العالمي ومجرَّد مُحلِّل لسياساتها؛ حتَّى لا يتطاول عليها الأقزام والطَّارئون على التَّاريخ والظَّلمة والفاسدون باستمرار. فالمَساس الإسرائيلي بهَيْبة ومكانة المنظَّمة الدوليَّة يُمثِّل إرهاصًا لما هو قادم مع الجرائم الإسرائيليَّة المتواصلة ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل، مثلما يُفسِّر الكثير من المواقف والسُّلوكيَّات الماضيَة مع المنظَّمة الدوليَّة.