محمد بن سعيد الفطيسي:
"سنة 2095م قد تبدو مثل سنة 1914، ولكن ممثلة على مسرح أوسع نوعا ما"( 1) مع ذلك فإن هناك "أشياء لا نستطيع أن نقدم تصورنا حولها، وهناك أشياء أخرى يمكن فهمها ويمكن أن تتغير بصورة أكثر عملية، وهناك بالفعل تتربص نهاية النظرية لمصلحة نظريات العلاقات الدولية"(2 )
في العام 2012 صدر لي كتاب نهاية المركزية (الخارطة الجيوسياسية للقوى العالمية في العقد الثاني من القرن 21)، أكد الكتاب حينها على استمرار سيناريو الاستمرارية للولايات المتحدة الأميركية كقوة عالمية تحمل الرقم 1 حتى نهاية العقد الثاني من القرن 21، على أن هذه الهيمنة ستبدأ بالانحسار التدريجي، سواء كان ذلك لأسباب خارجية أو حتى بسبب حدوث تغيرات في الداخل الأميركي.
مع التأكيد على بروز عدد من القوى الكبرى كالصين وروسيا كدول تسعى للهيمنة والسلطة على رقعة الشطرنج الدولية، بالإضافة إلى بروز متنافسين عالميين أطلقت عليهم تسمية (المتنمرين) الصغار مثل الهند واليابان، وأشرت حينها أن هذا العقد سيكون أقرب إلى التعددية القطبية الفضفاضة منه إلى التعددية المحكمة، حيث يبدو النظام على شكل تحالفات أكثر منه تكتلات فيما يشبه توازن القوى الكلاسيكية التي امتدت نحو مئة سنة قبل الثورة الفرنسية. (3 )
وها هو العالم يقترب من نهاية العام 2021 وما زال النظام العالمي لم يتغير بشكل جذري من وجهة نظري، فما زال سيناريو الاستمرارية السابقة هو المسيطر على ديناميكية النظام، سواء من حيث بقاء الولايات المتحدة الأميركية اللاعب العالمي رقم واحد مع بقاء الدب الروسي تاليا في سلم القيادة والهيمنة الدولية، بالإضافة إلى استمرار صعود الصين وتحرك المتنمرين باتجاه البحث عن مكانة قوية على مختلف الأصعدة والجوانب مثل الهند واليابان.
على العموم أظهرت الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس بايدن نوعا من التغيير الرجعي في التوجُّهات والسياسات الأميركية القائمة على مواجهة أزمات الداخل عبر تصديرها للخارج من خلال التوسع، منها تقليص التواجد الأميركي في بعض الأماكن الاستراتيجية من العالم كما هو حال أفغانستان، بالإضافة إلى تغيير بعض سياساتها تجاه منطقة الشرق الأوسط خصوصا في العراق وليبيا، مع أن مثل هذه التحولات في السياسة الأميركية في الغالب ما تكون مؤقته ومرتبطة بالتغيير والتحول في الإدارة الأميركية أكثر منها بالسياسة الأميركية المرتبطة في الغالب بقاعدة ثابتة مثل الهيمنة والسيطرة على منابع المصالح الاقتصادية والقضاء على التهديدات الخارجية.
خلاصة الأمر أنه لا يوجد أي مؤشرات جذرية راهنة ـ بالرغم مما سبق قوله ـ يمكن الارتكاز عليها للتأكيد على إمكانية حدوث تغير في الأدوار ومراكز القوى خلال الفترة من 1 نوفمبر 2021 حتى 31 ديسمبر 2022 على أقل تقدير(المدى القصير)، فمستقبل النظام العالمي خلال الفترة القادمة ستحكمه القواعد الراهنة، حيث استمرار بقاء الولايات المتحدة الأميركية على سلم هرم القيادة السياسية العالمية، تليها روسيا في المرتبة الثانية، مع استمرار اندفاع الصين نحو مركز القوة القارية الاقتصادية رقم واحد والثانية عالميا، بالإضافة إلى استمرار صعود اليابان والهند وتركيا وإيران والمملكة العربية السعودية في مناطق النفوذ القارية، مع بقاء القارة الأوروبية ودولها في حالة من الشد والجذب.
ـــــــــــــــــــــــ
مراجع
1 ـ - مارجريت تاتشر، لماذا يجب أن تبقى أميركا رقم واحد، نقلا عن: محمد بن سعيد الفطيسي، المفاجأة الروسية – نحو استشراف مستقبلي للإمبراطورية الروسية الحديثة على رقعة الشطرنج الدولية بالقرن الحادي والعشرين، مؤسسة صوت القلم العربي/مصر، ط1/2008، ص 30
2 ـ - هانز مورجنتاو، السياسة بين الأمم – الصراع من اجل السلطان والسلام – ترجمة: خيري حماد، الدار القومية للطباعة والنشر، ج1، بدون ط/ 1965م
3 ـ -محمد سعيد الفطيسي، نهاية المركزية-الخارطة الجيوسياسية للقوى العالمية في العقد الثاني من القرن 21-مكتبة الضامري، السيب/ سلطنة عمان، ط1/2012، ص 25-26