استضاف فرع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالبريمي الكاتبة وفاء الشامسية رئيسة صالون مساءات ثقافية في جلسة ثقافية خصصتها للحديث عن (الكولاج والسربية في شعر سميح القاسم). وقد أقيمت الجلسة في جمعية المرأة العمانية بالولاية، وأدارها الشاعر خميس قلم. مهدت الكاتبة لمحاضرتها بعرض مقتطفات لأهم تصريحات القاسم التي تمثل توجهاته الأدبية والسياسية، حيث أشار في بعض تصريحاته إلى أنه استفاد ممن تعمق من النقاد في هذه التجربة (يقصد شعره) واستشفوا أمورا تتصل بالذات السيكولوجي. كما قال أيضا: بأن الدراما هي عنصر جوهري وأساسي في العمل الشعري، مستفيدا من تجربته مع مغني الربابة وحبه للمسرح. وقد صرح في لقاء له بأنه لا يحب التكرار، ويحب المغامرة الفنية ويمارسها على مزاجيه. وقد تعرضت الشامسية إلى جانب من سيرة القاسم النضالية قبل أن تبدأ في تفصيل وتحليل واستعراض آراء النقاد في الكولاج بصفته تكنيكا شعريا مستمدا من الفن التشكيلي، وما يميّز الكولاج أنه يعطي لصاحبه الحرية في التعبير عمّا يريد وبأيّ شكل يريد، وهكذا يجد المبدع نفسه حرّ التصرف في الكولاج. ويذكر الشاعر سميح القاسم أنّ أوّل محاولاته لكتابة الكولاج كانت عن طريق الصدفة ونتيجة لحالة مَلل في إحدى المحاضرات التي كان يستمع إليها في مؤتمر كبير، فلم يشعر إلا وقد أخذ قلمه وبدأ يرسم بعض الخطوط ثم يُتْبعها ببيت شعر ثم بتعليق لاذع وهكذا حتى انتبه إلى زميل له يخبره أن المحاضرة انتهت، فجمع كل ما كتبه على قصاصات الورق وخرج. وفي غرفته عاد ليتصفّح الأوراق المتناثرة، وأعجبه النّسق الذي جمَع بينها، وعمل فيما بعد على مراجعتها وتنسيقها لتخرج على شكل صورة فنيّة متميّزة دفعته ليُعاود التجربة ويُطوّرها شكلا ومضمونا. ويعتبر القاسم من رواد فن الكولاج الشعري ، حيث أصدر كولاج (1) وكولاج (2) وكولاج ( 3 ). وتناولت المحاضرة نماذج من الكولاجات الشعرية المختلفة لسميح القاسم، وقارنت بينها للوقوف على الخليط الشعري والنثري الذي تُبنى عليه.
من جهة أخرى أفردت المحاضرة القسم الثاني للحديث عن السربية، والأرجح أن «السربيّة» قصيدة طويلة متشابكة، مؤسسة على أسطورة أو حكاية تاريخية أو مقاطع من الثيولوجيا الدينية (علم اللاهوت) أو الميثولوجيا (علم الأساطير اليونانية) من مصادرها المتنوعة، وهي تتميّز بالسرد، الذي هو أداة القص أو الرواية، فالسربيّة لهذه الناحية، سرديّة بالضرورة، كما تمتاز بتشابك الأصوات وتداخلها، وببناء قريب من البناء المسرحي أو الدرامي، لكنّ الشاعر يعمد فيها إلى إسقاط الإطار الذي استند إليه في قصيدته. وقد أوضحت الشامسية التوظيفات التاريخية والأسطورية والرمزية في السربية وتأثر القاسم بالنفس الدرامي لبعض الكتاب الكبار مثل شكسبير. وأنهت الجلسة الثقافية، بآراء مختلفة للنقاد الذين تناولوا أشعار القاسم، حيث قال الناقد شوقي خميس: "في قصيدة سميح القاسم أكثر من صوت وأكثر من أسلوب في التعبير، ولكن التنوع يخدم التجربة ويزيدها قوة وعُمقا، فهي تجربة إنسانيّة حيّة متشابكة تحتوي الوعي والحبّ والتمرّد والثورة والميلاد والموت". الجدير بالذكر أن مثل هذه الأمسيات ترفد الحراك الثقافي والأدبي في أي مجتمع من المجتمعات، وتسهم في تقديم نماذج وتجارب واقعية تخدم الشباب وتوسّع مداركهم المعرفية لمثل هذه الشخصيات التي أثرت الساحتين الأدبية والثقافية في العالمين العربي والعالمي.