أحمد السيابي:
الله تعالى أكرم بميلاده الأمة البشرية بل هذا الكون، فكان ميلاده حدثاً غير عادي

ـ لابد من تهيئة كونية تستقبل هذا الحدث لأنه ارتباط للبشرية بالله تعالى عن طريق هذه الرسالة وصاحبته إرهاصات

ـ (العصمة) من إرهاصات النبوة، فالله تعالى عصم نبيه محمداً من المعاصي إرهاصاً لتحمل هذه الرسالة

ــ "اليتم" كان تهيئة من الله تعالى لنبيه لكي يكون عطوفاً بالناس، رفيقاً ورحيماً بهم، وشفيقاً عليهم

ـ اشتهر منذ نعومة أظافره بالسيرة الطيبة الطاهرة النظيفة مبتعداً عن ضجيج الجهلاء وعن صخبها في حياة مكة

التقى به ـ علي بن صالح السليمي:
يقول سعادة الشيخ احمد بن سعود السيابي ـ الأمين العام بمكتب الإفتاء ـ حول هذه المناسبة العظيمة: إن مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هو ميلاد للإنسانية، فالله تعالى أكرم به الأمة البشرية بل هذا الكون، فكان ميلاده حدثاً غير عادي.
مضيفاً: إننا نستطيع القول: انه حدث مقدس لما فيه من الأمور الاعتبارية والعظات والحكمة، من هذا المنطلق رأت الأمة على اختلاف فيما بينها أن تحتفي بذكرى ميلاده (صلى الله عليه وسلم) لما في ذلك من تمسك بالرسالة التي جاء بها هذا النبي الكريم.
* اختلاف في الاحتفاء بالمولد
وقال: لقد وقفت على اختلاف في الاحتفاء بهذا الحدث، فمنهم من لم يجزه مطلقاً ومنهم من عمل فيه ممارسات وطقوسيات لا يقرها الإسلام أو لا يقر كثيرا منها، ومنهم من وقف في الوسط، حيث اخذ العبرة والارتباط بذكرى هذا السيد العظيم وتذكر رسالته وهذا الذي سار عليه الإباضية إذ إن موقفهم كان وسطاً، فالمشارقة من الإباضية ما كانوا يحتفلون بهذه الذكرى ولكنها وفدت إليهم من أقطار أخرى، أما الإباضية المغاربة فالظاهر أن الاحتفال بالذكرى كان عندهم من زمن لا بأس به، مشيرا هنا إلى انه يقال أن أول من ابتدأ الاحتفال بمولده (صلى الله عليه وسلم) هم الفاطميون الذين حكموا الشمال الإفريقي إلى مصر وامتد نفوذهم في بعض الاحيان الى اليمن والشام ولكن ذلكم الاحتفال ما كان على المستوى الرسمي ، وأول من احتفل به احتفالاً رسمياً على مستوى الدولة حاكم (إربيل)، وإربيل مدينة في شمال العراق حالياً من قبل الأيوبيين في عهد صلاح الدين الأيوبي.
* تاريخ المولد
وحول تاريخ مولد المصطفى (عليه الصلاة والسلام) قال سعادته: اختلف في تاريخ مولده (صلى الله عليه وسلم) والجمهور على انه كان في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وقالوا انه بعد خمس وخمسين يوماً من حادثة الفيل، وحددوا ذلك بأنه في عام (570 للميلاد)، لكن الشيخ أبا إسحاق اطفيش ـ رحمه الله تعالى ـ ينقل في تعليقه على كتاب (النشأة المحمدية) عن أحد الفلكيين المصريين الكبار وهو محمود باشا الفلكي تحديد مولده (صلى الله عليه وسلم) بيوم الاثنين التاسع من ربيع الأول عام (571 للميلاد).
* تهيئة كونية
موضحاً سعادته بأنه وعلى أي حال هذه خلافات لا تقدم ولا تؤخر، النبي (صلى الله عليه وسلم) ولد .. والحدث وقع، وهذا الاختلاف ليس اختلافاً مهماً فهذا يحدث في الأمور التاريخية ولأن العقل البشري يختلف في تحمل الأحداث.
وقال: لا شك أن هذا الحدث العظيم ليس حدثاً عادياً، فلابد له من تهيئة كونية تستقبل هذا الحدث لأنه ارتباط للبشرية بالله تعالى عن طريق هذه الرسالة، فالقضية عظيمة غير عادية، مبيناً بأن هذا الحدث العظيم صاحبته إرهاصات، والإرهاص هو تأسيس وتهيئة لأمر ما بحيث يكون الحدث منساقاً ومنسجماً مع ذلكم التأسيس والتهيئة، فهناك تهيئة لحدث المولد وتهيئة للنبوة، وقد ترابطت هذه الإرهاصات.
مشيراً إلى أن المستشرقين أرادوا من ذلك القدح في نبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) بأن هذا الرجل إذا كان ينتمي إلى هذه الأمة الوحشية والهمجية غير الحضارية التي يأكل بعضها بعضاً، هل يعقل أن يأتي إلى قيادة البشرية؟! وان هذه الرسالة يستحق لها أن تكون رسالة عالمية لجميع الأمم والشعوب إلى أن يرث الله الدنيا ومن عليها؟!، فالمفكرون المسلمون تلقوا الفكرة وأخذوا يرددونها يريدون إظهار فضل الإسلام وفضل محمد (صلى الله عليه وسلم) مما حدا بهم إلى المبالغة في ذلك.
* التوحد في اللغة
مضيفاً بقوله: وكذلك تهيئة لهذا الحدث العظيم مولد النبي الشريف وإرهاصاً للنبوة الإسلامية فقد توحدت الجزيرة العربية على لغة واحدة وهذا التوحد في اللغة غير موجود في الأمم الأخرى التي نجد فيها لهجات متباينة كالصين والهند وفارس، أما اللغة العربية فقد توحدت بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها وهيأ الله تعالى لها شعراء جابوا أقطار الجزيرة العربية وهم أصحاب المعلقات السبع أو العشر .. وغيرهم.
مؤكداً أن ذلك كله تهيئة وإرهاص لمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) ولرسالته، فلو نزل القرآن الكريم من غير توحيد لأمة العرب في لغتها لكان كثير من العرب لا يفهمونه، وقبل فترة زمنية قصيرة من مولد النبي (صلى الله عليه وسلم) عمل شعراء العصر الجاهلي الفحول على توحيد اللغة العربية، فقد كانوا يقومون بجولات في أصقاع الجزيرة العربية.
وقال سعادة الأمين العام: لقد شاء الله تعالى أن هزم أبرهة في هدم البيت وذلك مما زاد من مكانة العرب ومن مكانة النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما بعد، وتلك الأمور هي إرهاصات جعلها الله تعالى لتكون البشرية على أهبة الاستعداد لمولده (صلى الله عليه وسلم) وللرسالة الإسلامية والبعثة المحمدية.
* العصمة والنزاهة
منوهاً أنه ومن تلك الإرهاصات أيضاً (العصمة) وهي من إرهاصات النبوة، فالله تعالى عصم نبيه محمداً (صلى الله عليه وسلم) من المعاصي إرهاصاً لتحمل هذه الرسالة، وليست هناك عصمة لمخلوق إلا الأنبياء والرسل عليهم السلام.
ومؤكداً بقوله: إذن شخص محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يتهيأ لاستقبال الرسالة العظيمة لا بد أن يكون منزهاً ومعصوماً مما تتلوث به عظمة هذه الرسالة الخالدة والله تعالى قد رباه على كثير من الأمور، فهيأ له أن يرعى الغنم وفيه سياسة الأوابد والماشية وفيه السكينة واخذ العبرة واشترك في الأمور العسكرية كحرب الفجار واشترك في اللقاءات والاجتماعات السياسية في دار النبوة واشترك في حلف الفضول الذي كان يشيد به ويتمنى لو حصل ذلك في الإسلام لأن فيه رداً للمظالم وأخذاً بيد الظالم ثم اشتغل كذلك بالتجارة.
* حادثة اليتم
وقال: إن الله تعالى شاء للنبي محمد (صلى اله عليه وسلم) أن يقدر اليتم عليه ، حيث توفي والده (عبدالله بن عبد المطلب) وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب القرشية وهو في العام السادس من العمر عند عودتها بولدها الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من المدينة المنورة حيث توفيت بالأبواء بين المدينة ومكة ثم توفي جده عبد المطلب الذي رباه وكان يعطف عليه عطفاً شديداً ويلاطفه ملاطفة كبيرة وقد أحس بفقد جده أيما إحساس.
منوهاً إلى انه ذلك اليتم وما فيه من مرارة الحياة ولوعة الفراق كان تهيئة من الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) لكي يكون عطوفاً بالناس، رفيقاً ورحيماً بهم، وشفيقاً عليهم.
* سيرته بين قومه
وقال سعادة الأمين العام: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) اشتهر منذ نعومة أظافره بالسيرة الطيبة الطاهرة النظيفة مبتعداً عن ضجيج الجهلاء وعن صخبها في حياة مكة حتى عرف عنه ذلك بين العام والخاص، وقد عصمه الله من الوقوع في شئ من لوثات الجاهلية وفسادها، فعندما تحاول البيئة الاجتماعية جرّه إلى شئ من ذلك سرعان ما تتدخل العناية الإلهية لتصرفه عن ذلك وليستقبل منصب النبوة العظيم وهو طاهر النفس، نقي الجوارح، خالص القلب.
مضيفاً بأنه (صلى الله عليه وسلم) قد اشتهر بالأمانة والصدق بين قومه وسمي بـ (الأمين) وقد عصمه الله من عبادة الأصنام والاقتراب منها بأي نوع من أنواع القربات والعبادات، وانزل عليه الوحي في غار حراء يعلمه (القراءة) ولا ريب أن هذا تشريف لأمة الإسلام، ومن هناك كان الإسلام دين العلم والقلب وسيلته، وبعد انجلاء الوحي أصبح محمداً منذ تلك اللحظة (نبياً ورسولاً) من رب العالمين ورجع منزله وهو يرتجف من هول ما شاهد وشدة ما رأى، وقال لزوجته السيدة خديجة (زملوني .. زملوني) أي:)لفوني) لذلك خاطبه ربه بـ(أيها المزمل)، كما بشره ورقة بن نوفل بـ(النبوة) وذلك عندما اخبره بما شاهده في أمر الوحي عن طريق جبريل (عليه السلام) في غار حراء، فقال له ورقة: (إن هذا أمر رباني)، حيث أكد له مما عرفه من استقراء شأن النبوات والأنبياء.
واختتم سعادته حديثه بقوله: إن النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) كان بحق الرحمة المهداة فكان رحيماً بأقاربه وبالأطفال والضعفاء.
موضحاً بقوله: أنه بعد أن أمضى على البعثة ثلاث سنوات كانت الدعوة إلى الإسلام في غاية السرية والكتمان أمر الله رسوله أن يعلن تلك الدعوة للإسلام جهاراً نهاراً قائلاً له:(فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين)، وكان الإعلان للانطلاق للدعوة إلى الإسلام، وكان قومه يحسدون النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) ويغارون منه.