يأتي انعقاد مؤتمر الأمم المتَّحدة المَعْني بالمناخ، وهو المؤتمر السادس والعشرون، في مدينة جلاسكو بحضور قادة العالَم، وسط تحذيرات شديدة اللَّهجة من الأوساط العلميَّة، تؤكِّد أنَّ العالَم أضحى أمام تحدٍّ مصيري. فأزمة المناخ أو الاحتباس الحراري لم تَعُدْ مجرَّد مُشْكلة عابرة، لكنَّها تهديد حقيقي لحياة الجِنس البَشري، فعلامات الخطر لم تَعُدْ خافيةً على أحَد، فدرجات الحرارة في أرجاء العالَم بلغت مستويات لم تصل إليها من قَبْل، وتدني التنوُّع الأحيائي قد بلغ مستويات جديدة. أمَّا المُحيطات فهي تختنق بالنّفايات البلاستيكيَّة وحرارتها ودرجة الحموضة فيها في ازدياد، وسيؤدِّي ارتفاع درجات الحرارة إلى تحويل مساحات شاسعة من كوكبنا إلى أرض مَوات لا تصلح للبَشر بحلول نهايَة القرن الحالي. فتغيُّر المناخ لَنْ يؤثِّر فقط على الأرض، لكنَّ الأبحاث الطبيَّة الحديثة تؤكِّد أنَّه سيكون العامل الحاسم المُؤثِّر في صحَّة الإنسان في السَّنوات القادمة، وهي أزمة تتَّسم بانتشار الجوع وأمراض الجهاز التَّنفسي والكوارث المُهلكة، وتفشِّي الأمراض المُعْديَة التي قد تكون أدْهى من جائحة (كوفيد19).
وبالرغم من الوعود التي خرجت في بيان مشترك لقادة العالَم خلال مشاركتهم في القمة السادسة والعشرين التي تستمرُّ لمدَّة أسبوعَيْن والتي انطلقت الأحد الماضي، والخاصَّة بإنهاء إزالة الغابات وانحلال التُّربة بنهايَة العقد الحالي، بِدعْمٍ من أموال عامَّة وخاصَّة حجمها 19 مليار دولار للاستثمار في حمايَة الغابات واستعادة غطائها النَّباتي، وسيغطِّي غابات تبلغ مساحتها الإجماليَّة نحو 21 مليون كيلومتر مُربَّع، وبالرغم من ترحيب دول منها البرازيل وإندونيسيا وجمهوريَّة الكونجو الديمقراطيَّة، التي تمثِّل مجتمعة 85 في المئة من غابات العالَم، إلا أنَّ ذلك لم يرقَ لطموحات العلماء في هذا المجال. فرغم تلك التعهُّدات الجديدة إلَّا أنَّ العالَم لا يزال مُتَّجهًا نَحْوَ بُلوغ مستويات كارثيَّة في درجات الحرارة العالميَّة تفوق درجتيْنِ مئويتيْنِ، وهذه المستويات بعيدة كُلَّ البُعد عن هدف البقاء ضمن حدود 1.5 درجة مئويَّة الذي اتَّفق عليه العالَم بموجب اتِّفاق باريس، وهو الهدف الذي يخبرنا العِلم بأنَّه المسار المُستدام الوحيد لِعالَمنا.
فالإنسانيَّة باتت تنتظر من المُشاركين في (كوب 26) خطوات أكثر تحديًا لمُواجهة ما يشهده الكوكب من تداعيَات، وعلى قادة العالَم الخروج بنقاط مُلزمة تحمل أهدافًا جريئة وطموحة يتمُّ تحقيقها بحلول عام 2030، وسياسات محدَّدة جديدة لقَلْب مسار هذه الكارثة. فعهد المُجاملات الدبلوماسيَّة قد ولَّى، وإذا لم تُشمِّر الحكومات عن ساعد الجِد وتتولَّ قيادة هذا الجهد، فإنَّنا نتَّجه نَحْوَ مُعاناة إنسانيَّة رهيبة، وعلى البلدان قاطبة أنْ تدرك أنَّ الاستمرار في الأخذ بنموذج التَّنمية القديم القائم على حرْق الكربون هو حُكم بالإعدام على اقتصاداتها وعلى كوكبنا، فعلينا وفق مطالبات الأمم المتَّحدة أنْ نتخلَّص من استعمال الكربون الآن في جميع القطاعات وفي جميع البلدان، وتحويل وجهة الإعانات والدَّعم من الوقود الأحفوري إلى الطَّاقة المتجدِّدة، وفرْض الضَّريبة على التلوُّث، لا على النَّاس لإقامة بنى تحتيَّة وإيجاد وظائف قادرة على التكيُّف.
إنَّ الهدف الرئيسي لقمَّة جلاسكو باسكتلندا يتمثَّل في تباحُث السُّبل لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 نقطة مئويَّة؛ أي ما قَبْل مستويات التَّصنيع، وهو الحدُّ الذي يقول العلماء إنَّه سيُجنِّب الأرض عواقب أكثر من عواقب الاحتباس الحراري تدميرًا. لذا المَرجوُّ هو زيادة في الزَّخم السِّياسي والمَساعي الدبلوماسيَّة الحثيثة لتعويض عدم كفايَة الإجراءات والتعهُّدات الجوفاء التي ميَّزت الكثير من سياسات المناخ العالميَّة، فقد ظلَّت التعهُّدات السَّابقة مجرَّد شعارات. فقادة العالَم الحديث لم يقدِّموا خططًا فعليَّة لتحقيق هذا الغرض، الذي نعود ونُكرر أنَّه الأمل الوحيد في بقاء العنصر البشري، فالإنسانيَّة أمام اختبار وجودي يُحتِّم التوجُّه نَحْوَ التَّنمية المُستدامة، والبُعد عن أيِّ مكاسب وقتيَّة ستزيد بالتَّأكيد من المُعاناة مستقبلًا.