علي بدوان:
رفضت الأحزاب "الإسرائيلية" بمجملها المسعى العربي الفلسطيني لإحياء الذكرى الـ65 لمذبحة كفر قاسم، التي نفذها حرس الحدود "الإسرائيلي" يوم 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1956 ضد سكان قرية كفر قاسم وراح ضحيتها 49 شهيدًا، منهم تسعة نساء و17 طفلًا دون الثامنة عشرة. كانوا عائدين من أعمالهم في أراضيهم الزراعية عام 1956.
هذا الرفض "الإسرائيلي" لإحياء مذبحة كفر قاسم، يأتي لقلب الوقائع والهروب من الحقائق، في ظل ترويج دولة الاحتلال "الإسرائيلي" روايتها السردية الممجوجة، بل والمزورة تحت عنوان "الشعب اليهودي". فأسقطت الأحزاب اليهودية من المعارضة والائتلاف الحكومي على حدٍّ سواء، يوم الأربعاء 7/10/2021، مشروع قانون لتخليد ذكرى مجزرة كفر قاسم وجعله يوم حداد رسمي، والذي بادرت ودعت إليه وطرحته على الكنيست النائبة العربية الفلسطينية عايدة توما سليمان عن القائمة العربية المشتركة. وصوت ضد مشروع القانون 93 من أعضاء الكنيست من المعارضة والائتلاف... لاحظوا: أعداد المصوتين الرافضين... وهذا أول مشروع قانون يحظى بتصويت مشترك، توحدت فيه مختلف الأحزاب اليهودية، سواء في المعارضة أو تلك التي تُشارك في الائتلاف الحكومي برئاسة نفتالي بينيت. وصوت إلى جانب مشروع القانون 12 من أعضاء الكنيست (وفق ما نشرته الصحف الإسرائيلية)، بينهم جميع النواب عن القائمة العربية المشتركة، كما صوت لجانب القانون نواب القائمة الموحدة (مجموعة النائب منصور عباس)، والنواب العرب عن حزب "ميرتس"، بينما تغيّب عن الجلسة العديد من أعضاء الكنيست ممن يحسبون أنفسهم على "اليسار الصهيوني" ممثلًا بحزبي ميرتس والعمل. وتجند أعضاء الكنيست من مختلف أحزاب اليمين، من الليكود، والعمل، وتحالف "الصهيونية الدينية"، و"يمينا"، و"تكفا حداشاه"، و"يسرائيل بيتنو"، و"شاس" و"يهدوت هتوراة"، و"كاحول لافان"، ضد القانون، حيث منعوا من تمريره والمصادقة عليه بالقراءة التمهيدية، مع أنه يتحدث عن واقعة تمت عام 1956 ولا يتحدث عن أحداث وقعت بالمريخ أو كوكب المشتري.
إذًا، توحّدت الأحزاب، في الائتلاف الحكومي والمعارضة معًا، من أجل منع تمرير (قانون التوجه نحو استصدار قرار تخليد وإحياء مذبحة كفر قاسم، ووقائعها التي تمت على يد جيش الاحتلال عام 1956). وتلاقت جميع الأحزاب "الإسرائيلية" على هدف التصدي لهذا القرار أثناء طرحه على جدول أعمال الكنيست.
وفي السياق ذاته، ومن أجل طمس معالم جريمة كفر قاسم في ذكراها الـ65، لكنها ما زالت حية، وما زال البعض من شهودها على قيد الحياة، وتحمل دلالاتها القاطعة في الصراع العربي الفلسطيني مع الاحتلال "الإسرائيلي"، رفضت الأحزاب "الإسرائيلية" توجُّه لجنة متابعة قضايا التعليم العربي والمؤسسات التربوية كافة والمعلمين والأطر الشبابية التي دعت وسعت إلى إحياء هذه الذكرى المهمة بأنشطة تربوية تسهم في تعريف الطلبة العرب الفلسطينيين بواقع ما جرى في قرية كفر قاسم الوادعة. وإبداع أنشطة تربوية حول هذا الحدث المهم بما في ذلك أنشطة رقمية وصور ووقائع ومعلومات عما جرى في كفر قاسم.
إن فضح سلوك الاحتلال "الإسرائيلي"، وتبيان ما جرى في قرية كفر قاسم، مسألة في غاية الأهمية للأجيال الفلسطينية التالية، ويُعد وبحق، دراسة يجب تقديمها تاريخيًّا، حيث لا بُدَّ من إحياء المناسبات في الوسط العربي، ومنها مذبحة كفر قاسم وما سبقها وما تلاها، وتقديم الحقيقة وإيصالها للجميع.
لذلك تأتي أهمية الكفاح العربي في الداخل من أجل تغيير مناهج التعليم الاجتماعية القائمة والمفروضة على مدارس التعليم بالوسط العربي، والكف عن طمس الوقائع التي حدثت على يد جيش الاحتلال "الإسرائيلي" طوال السنوات التي تلت نكبة العام 1948، وتزويرها لخدمة الرواية الصهيونية. فمن غير المنطقي أن لا يتعلم ولا يدرس الطلاب العرب الفلسطينيون في الداخل، رواية النكبة. بينما يفرض عليهم دراسة الرواية الصهيونية وتاريخ ما يُسمى بـ"الشعب اليهودي" علمًا "أن اليهودية دين وليست شعبًا".
من هنا تأتي أهمية إحياء تاريخ الشعب الفلسطيني الصامد والباقي في الداخل، فاعتراف الاحتلال "الإسرائيلي" بمجزرة كفر قاسم اعتراف معنوي وسياسي واجتماعي من قبل دولة الاحتلال. كذلك في إدراج كل تلك الوقائع، ومنها مذبحة كفر قاسم في المنهاج الدراسي. وتخصيص ميزانية تعمل على تخليد ذكرى ذكرى الضحايا، ومنهم ضحايا مذبحة. إضافة للكشف عن جميع الوثائق الأرشيفية المتعلقة بالقضية.
إنه تاريخ، ووقائع لا يمكن طمسها، ولا يمكن لأحد أن يلوي عنق الحقيقة التي تقول بأن دولة الاحتلال "الإسرائيلي" ارتكبت المذابح بحق أهل الوطن والأرض الأصليين في فلسطين. واعترف بتلك المذابح العديد من دهاقنة كيان الاحتلال، ومنهم: شيمون بيريز، رؤوبين ريفلين، حاييم هيرتزوغ.... وآخرون. لكنهم اعتبروها، وبكل بساطة، حدثًا عابرًا ما كان يجب أن تحصل.