جودة مرسي:
أعلن وزراء قبل قمة "كوب-26" أن هدف الدول الغنية منذ عقد للمساهمة بمبلغ 100 مليار دولار سنويًّا لمساعدة الدول الفقيرة على مكافحة تغيَّر المناخ قد يكون قابلًا للتحقيق في عام 2023. وهذا الإعلان يجعلنا نلقي الضوء على مجموعة العشرين للدول الاقتصادية الكبرى قبل انعقادها السبت القادم في روما أن تتفاعل وتغير المسار المنحدر لآثار كورونا (كوفيد19) وأن تجد آلية مثيلة لتبرع المجموعة في مكافحة تغير المناخ، خصوصا وأنه بعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات، تعايش العالم مع الفيروس وآثاره، ولم يعد هذا الشبح المخيف والمؤثر مثل البدايات التي أصابت العالم بالرعب والخوف، ويؤكد هذا التناقص الحاد في أعداد المصابين والوفيات التي تكاد تكون قد اختفت في بعض البلدان، ورغم أن كورونا (كوفيد19) في ظاهره وباطنه يكمن كل الشر المتمثل في الخسائر الاقتصادية والبشرية الكبيرة، إلا أنه قد يكون سببا في انتعاشات اقتصادية مستقبلية إذا أتيح المجال إلى اتحاد المصالح الكونية في محاربته، خصوصا في تجنب آثاره الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فيبدأ العالم في بلورة صيغة جديدة للتعايش تكون النواة فيها محاربة ما يهدد البشرية، ويكون هنا تقبل الآخر أهم هذه الأدوات، لكي لا يتكرر مشهد الغلق التام الذي أصاب بالشلل جميع البلدان، ومشاهد البدايات لكورونا (كوفيد19) لم تستطع الذاكرة أن تمحوها من أرشيفها؛ لما سبَّبه من هلع وخوف ومشاهد الجثث التي كانت تغطي الكثير من شوارع المدن الشهيرة، في الصين وأميركا وأوروبا ودفعت الناس من أجل التغلب على خوفهم للخروج من شرفات المنازل وهم يغنون للتغلب على الحالة النفسية المحبطة التي اعترت الجميع، حتى أننا سمعنا الأذان وصوت مقرئين يقومون بتلاوة القرآن في عواصم أوروبية تمنع هذا في الظروف العادية.
ولتجنب آثار كورونا حاضرا ومستقبلا يجب أن تكون هناك صياغة دولية لتقبل الآخر من أجل إيجاد فرضية دولية للتعاون بين الجميع، وأتذكر بعض المحاولات الإقليمية التي يمكن أن تتطور وتصبح على مستوى العالم، منها رؤية شارل ديجول لأوروبا في العام 1966 "التي كان يرى فيها كيف لأوروبا أن تمتد من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال"، وطرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2012 رؤية بإقامة سوق مشتركة تمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، والحلم الصيني بتفعيل طريق الحرير. ونحن في المنطقة العربية كان نداؤنا الأزلي والمستقبلي بإنشاء سوق عربية مشتركة، وتعرفة جمركية موحدة وتسهيل التنقل بين الحدود برا وجوا وبحرا لنقل العمالة والبضائع والأموال الاقتصادية... إلى آخره؛ لنرفع من إمكاناتنا العلمية والثقافية والتعليمية التي يمكن للمنطقة العربية ـ بما تملكه من إمكانات ـ أن تصبح في موضع آخر على خريطة التنمية.
إن كورونا أو (كوفيد19) هو تهديد مشترك للبشرية، فلماذا لا يكون هو الأداة المشتركة أو السبب الذي يحمي العالم باتحاد الرؤى للتنمية البشرية في أرجاء المعمورة، وأن لا يقتصر الأمر على التشابه اللغوي أو القرب الإقليمي؟ لأن العالم إذا فشل هذه المرة، مثل كل مرة في تبنِّي سياسة حكيمة تساعد في القضاء على (كوفيد19) وتحدياته مستقبليا فسوف يواجه ركودًا اقتصاديًّا مزمنًا، وتوترات اجتماعية متزايدة، وعدم استقرار سياسي. إنه من السهولة تجنب هذه النتائج إذا خلصت النيات، وتم العمل على تحديد المجالات التي تتلاقى عندها المصالح، وعلى إقامة شراكة قائمة على المنفعة المتبادلة وتغيير التصورات السلبية القديمة بين الدول بتفعيل التأثير الموحد القوي المتمثل في رأس المال البشري الذي يتطلب بيئة ثقافية داعمة، من نظام تعليمي متطور إلى مراكز للبحث والإبداع. ثم الاهتمام بالموارد الطبيعية، الطاقة الإنتاجية، الاحتياطيات المالية، وحينها يصبح من الممكن تحقيق التقدم الاقتصادي عوضا عن تأثيرات كورونا (كوفيد19)، ويكون العالم على دراية من أين يأتي وأي الأسباب التي يمكن التعرف بها على منشأ كورونا (كوفيد19). فهل يتحد العالم ليحقق التنمية ويقضي على الآثار السلبية التي خلَّفها كورونا ونحن على أعتاب قمة العشرين (كوب ـ 26) المنعقدة بروما؟