بدرية البدري:

اخلعْ جراحَكَ بالسطرِ المُقدَّسِ، لا
يصدَّك الذنبُ عن وحيٍ بكَ ارتحلا

واصعد إلى السدرةِ العُليا بلا حَذَرٍ
من دافِقِ العشقِ، إنْ ناداكَ وانهملا

هناكَ تنمو على الأشواكِ نرجِسَةٌ
تؤرجِحُ العطرَ في أوراقِها أَمَلا

وتستكينُ إلى الأقلامِ قافيةٌ
لولا “مُحمَّدُ” ما أهدت لها الجُمَلا

ناداني الصوتُ، لكن لم أجدْ بَشَرًا
آنستُ نورًا تراءى ظِلُّه جَبَلا

أصغيتُ، كان هديلُ الوُرْقِ مِئذَنَةً
اركضْ بقلبِكَ تلقَ الأرضَ مُغتَسلا

وكانَ وجهُك ما ألفيتُ في قلقي
فاخْضرَّ حرفٌ على غُصنِ الجوى ذَبُلا

يقودني الحبُّ كالأعمى؛ فيا بصَري
خارت عصاي وجئتُ الخوفَ مُنتعِلا

يعدو بي الدربُ والأشواقُ راحِلتي
والغارُ أيقظَ جفنَ الليلِ وابتهلا

خلفي تلفّتَ بعضيْ إذ رأيتُ فتىً
ساقيه أطلَقَ والريحُ استوتْ سُبُلا

أتى تسيلُ ذنوبُ الأرضِ من دمِهِ
ما ضَلَّ مسراهُ، لكِنْ بالرؤى شُغِلا

تكونُ قِنديلَهُ في ليلِ وحدتِه
يرجوكَ، أو قِبلَةً تهدي النُهى مُقَلا

أرضًا يحطُّ عليها كلّما وَهَنًا
هوى جناحاهُ، أو عن هَدْيِهِ عَدَلا

تحنو على ضعفِهِ إنْ جاءَ يحمِلُهُ
قد انحنى ظهرُهُ من هوْلِ ما حَمَلا

نصفان إنّي، ولا نصفٌ يُؤازِرُني
والخوفُ جفنٌ على بعضِ الرجا انْسدلا

عارٍ من الرفقِ هذا الكونُ ينقُصُهُ
حنينُ جِذعٍ رأى نجمًا لَهُ أَفَلا

كفٌّ تحطُّ على الأرواحِ حانيةً
لتهدأَ الحربُ والثأرُ الذي اشتعلا

لا نورَ يوقِظُ هذا العصرَ من خَدَرٍ
والكهفُ لمّا أوى، أحصاهُمُ مِلَلا

بعضُ اليقينِ الذي في “اللهِ ثالِثُنا”
لو زارنا أورقتْ أرواحُنا رُسُلا

وطافَ بالبيدِ غيمٌ يستريحُ ضُحىً
من لفحةِ الشمس، لمّا أسرَفَتْ قُبَلا

عُدْ بي إليكَ رسولَ اللهِ أتعبني
قلبٌ تُقلِّبُه الأهواءُ ما وَصَلا

وكُلّما قلتُ لي فيما ملكْتُ يدٌ
ألفيتُ كفّيَ صِفرًا، تحرُثُ المَللا

عُد بي من الحزنِ، في عينيّ عاصِفَةٌ
تذرُّ رملَ الأسى والسُّهدِ مُكتَحَلا

تعبْتُ من مَصْعَدِ الأرواحِ أُبْصِرُها
تنسلُّ من خَنْدَقٍ من طُهرِها أَكَلا

من دمعةِ الجوعِ والأطفالُ حِصَّتُها
والأمهاتُ حُداءٌ يوقِدُ الشُّعَلا

يا رحمةً أُرسِلَتْ للعالَمينَ ويا
وحيًا من اللهِ بالإحسانِ قد نَزَلا

أتيتُ من هامشِ المعنى أحثُّ فَمي
علّي أراني، أنا من كُلَّهُ جَهِلا

لا أملِكُ الحرفَ لكنّي أراكَ بِهِ
فأُبصرُ النورَ طيفًا مرّ بي وَعَلا

وفاضَ نهرًا على شُطآن قافيتي
أحيا رميمَ حروفٍ أُقْبِرَتْ أَزَلا

خلعتُ كُلَّ جِراحيْ وانتبذتُ بها
سطرًا عليًّا، كمن في نقصِهِ اكتملا

✱ قصيدة الشاعرة العمانية بدرية البدري الفائزة بالمركز الأول في مسابقة كتارا لشاعر الرسول في نسختها الخامسة عن فئة الشعر الفصيح.