تمسَّكت السَّلطنة منذُ فجْر نهضتها الحديثة بالحفاظ على البيئة كخيار استراتيجي، منطلِقةً في ذلك من إيمانها العميق بحقِّ الأجيال القادمة في هذه البيئة. لذا رأينا التَّنمية العمانيَّة الشَّاملة راعت البُعد البيئي، وعملت على صَوْن الحياة الفطريَّة، والحفاظ على التنوُّع الأحيائي الذي تزخر به في ربوع البلاد كافَّة. فكانت الخطط الخمسيَّة المُتواليَة تحرص على مراعاة الجانب البيئي في جميع برامجها وخططها التنفيذيَّة، وفي كُلِّ قطاعاتها الحيَويَّة. فمنذُ إعلان السَّلطنة عام 1986 الاستراتيجيَّة الوطنيَّة لحمايَة البيئة؛ بهدف حمايَة البيئة وتقييم إدارة التلوُّث، بالإضافة إلى إيجاد الحلول المُناسبة للاستدامة البيئيَّة، لم تألُ جهدًا في تحقيق هذا الهدف المُهم، الذي سعى للحفاظ على التنوُّع الحيَوي الوطني، واستخدام المصادر بطريقة مُستدامة، ومشاركة منافعها بالتَّساوي مع المجتمع، واستطاعت البلاد من وراء هذه المبادئ الحفاظ على البيئة العمانيَّة بِكرًا، وباتت من أهمِّ وِجهات السِّياحة البيئيَّة حَوْل العالَم، بالإضافة إلى الإدراك المبكِّر بأنَّ الحفاظ على البيئة جزء لا يتجزأ من الحفاظ على الصحَّة العامَّة للمواطنين، فبيئةٌ نظيفة تدفع المنظومة الصحِّية للأمام بلا شك في ذلك.
ومن هذا المنطلق، أكَّدت السَّلطنة ـ ممثَّلة بوزارة الصحَّة ـ التزامها التَّام باتِّخاذ الإجراءات اللازمة لتقويَة النِّظام الصحِّي، وجعله أكثر قدرة على تحمُّل تغيُّرات المناخ وأكثر استدامة بيئيًّا، جاء ذلك في بَيان معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحَّة، تزامنًا مع انعقاد الاجتماع الـ26 للأطراف في اتفاقيَّة الأُمم المتحدة بشأن تغيُّر المناخ (COP26) في مدينة جلاسجو بالمملكة المتَّحدة، حيث أوضح البَيان أنَّ السَّلطنة ستعمل على تحقيق عدَّة أهداف وفق جدول زمني محدَّد للإسهام في تقويَة النِّظام الصحِّي، وجعله أكثر استدامة وقدرة على تحمُّل تغيرات المناخ، وتقليله لانبعاثات الغازات الدفيئة المضرَّة بالبيئة، ويشمل ذلك سلاسل التَّوريد ذات الصِّلة.
وقد أُجْريَ تقييم على مستوى المؤسَّسات الصحِّية لمدى تحمُّلها لتغيُّر المناخ ومدى إمكان تكييفها مع تغيُّر المناخ بحلول عام 2023، ما سيُسهم في وضْع خطَّة وطنيَّة للتكيُّف في المجال الصحِّي مع تغيُّر المناخ بحلول عام 2024 كجزء من الخطَّة الوطنيَّة للتكيُّف مع تغيُّر المناخ، وتضمَّنت الأهداف الأخرى استخدام التَّقييم والخطَّة الوطنيَّة للتكيُّف في المجال الصحِّي مع تغيُّر المناخ لجذب التَّمويل اللازم لتطوير النِّظام الصحِّي بما يتماشى مع مبادئ الاستدامة واحترام البيئة، وتقييم انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالنِّظام الصحِّي (بما فيها سلاسل التَّوريد) بناءً على المؤشِّرات القاعديَّة بحلول عام 2030.
إنَّ الجهود البيئيَّة العمانيَّة ربطت منذُ البدايَة بَيْن حقِّ المواطن في بيئةٍ نظيفة، وحصوله على الخدمات الصحِّية اللازمة، وعملت على ربط الاستدامة كعنوان رئيسي بجميع خطواتها التنمويَّة في القطاع الصحِّي وغيره من القطاعات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. فقد وضعت السَّلطنة خطَّة عمل بحلول عام 2030 لتطوير نظام صحِّي صديق للبيئة، منخفض الانبعاثات الدفيئة، بما في ذلك كُلُّ ما يتعلَّق بسلاسل التَّوريد وبما يشمل تلوُّث الهواء وتعرُّض البَشر له، ودور القطاع الصحِّي في الحدِّ من التلوُّث، وهو ما يتواكب مع تحقيق الاستدامة البيئيَّة، حيث حرصت السَّلطنة على سَنِّ القوانين والتَّشريعات التي تكفل حفظ البيئة ومواردها من الاستنزاف والتلوُّث والضَّياع، ورصد الموارد المتجدِّدة وطُرق استخدامها مع معالجة المَوارد غير المتجدِّدة؛ بهدف تحقيق التَّوازن بَيْنهما، وإيجاد السُّبل لمعالجة التلوُّث النَّاجم عن الأنشطة البَشريَّة من استخدام هذه المَوارد.