د. محمد المعموري:
لا شك أننا الآن نعيش عصر ما بعد (11 أيلول/ سبتمبر 2001) الفترة التي جنَّدت العالم باتجاه محاربة الإرهاب لعشرين سنة مضت، ولست بصدد الخوض في تفاصيل تلك المرحلة؛ لأنها معروفة لدى الجميع. إلا أنني سوف أناقش الفترة التي نعيشها بعد اتفاقية (أوكوس)، والتي أربكت العالم وتمَّت بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا في 15 أيلول/سبتمبر 2021، وما سبقها من اتفاقيات وخصوصا اتفاقية "البريكس" وهي اتفاقية اقتصادية "في مضمونها" بين (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) والتي تم الاتفاق عليها في يونيو/ حزيران 2009، إلا أن اتفاقية (أوكوس) لم تكن اقتصادية، كانت اتفاقية دفاع مشترك بين الدول التي أشرنا إليها، والتي يراد منها تحديد الصين من شمالها في المحيط الهادئ والهندي، خصوصا بعد السماح لأستراليا باستخدام الغواصات النووية لأول مرة بعد أن حصلت عليها بريطانيا في أواسط القرن العشرين.
وهنا علينا أن نركز على موضوع واحد، ألا وهو "أين نحن العرب؟" من التحالفات الاقتصادية والاستراتيجية التي انبثقت بين الدول ذات القرار السياسي والاقتصادي العالمي، لا سيما وأننا في منطقة تسودها التناقضات، وكذلك وسط وضع عربي ضبابي غير واضح، وتشتت السيطرة التي كانت تملكها جامعة الدول العربية على أعضائها من الأقطار العربية، وعدم تمكنها من اتخاذ أي قرار أو اتخاذ أي موقف يهم الأقطار العربية، وهذا الأمر لم يكن يخفى على الجميع، فتسابق بلدان عربية للتطبيع مع "إسرائيل" وأخرى تاهت في مشاكلها الداخلية، وحافظ "البعض" من أقطارنا العربية على اتزانه السياسي والاقتصادي، وخصوصا دول الخليج العربي وفي مقدمتها "سلطنة عمان" والتي تمتلك الاتزان السياسي والاقتصادي والتي نعوِّل عليها في إدارة دفة الحكمة السياسية في هذه الفترة العصيبة التي نمرُّ بها كعرب وسط تلك الاتفاقات والتي ستشطر وربما ستجمع العالم في اتفاقات ونظام دولي جديد، اتضحت أركانه من خلال اتفاقية (أوكوس) واتفاقية (البريكس).
نعم، إنها هزة سياسية أطاحت بأركان وتوقعات السياسات التي سبقت 15 أيلول/سبتمبر 2021. وهنا، فإننا لا نتوقع أن تكون السياسة في الوطن العربي وتغيراتها في منأى عن التغيرات التي حدثت في العالم، والتي من المتوقع أن تستمر التحالفات مع أو ضد اتفاقية (أوكوس) من جهة واتفاقية (البريكس) من جهة أخرى، حيث من المتوقع أن يحدث شد وجذب بين الدول المشتركة في تلك الاتفاقيتين. وما يهمنا في هذا الموضوع: أين سنكون بعد أن بدأت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين؟ ولأننا نعلم أن الصين لها أذرع اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط واتفاقيات طويلة الأمد، وكذلك طموح الصين في زعامة العالم اقتصاديا وسياسيا، وطموحها في نقل محور الزعامة العالمية إلى الشرق والذي يتمثل في الصين وروسيا بعد أن نجحت تلك الدولتان في عقد اتفاقات وتحالفات مع دول الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا وقارة إفريقيا بصورة عامة، المتضاربة مع مصالح دول اتفاقية (أوكوس) وخصوصا الولايات المتحدة التي تملك مصالح كبيرة في الشرق الأوسط ومن المستحيل التفريط بها.
هنا يجب أن نقف ونعقد العزم على أن ندرك أنفسنا نحن العرب، وأن نصحح اتجاهنا بالاتجاه الصحيح، ودراسة الوضع المحيط بنا، وأن لا نسمح أن تعاد معاهدة (سايكس بيكو)، وأن يحافظ الوطن العربي على كيانه وفق اتفاقيات اقتصادية وتحالفات تضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي لأقطار الوطن العربي، وأن تكون منطقة (الخليج وشمال إفريقيا) منطقة بعيدة عن الصراعات الدولية وخارج سياسات (المضاربات) السياسية والاقتصادية العالمية، وأن يستفيد أبناء الأمة العربية من الثروات الطبيعية والموارد البشرية وتنمية الاقتصاد العربي، والنهوض به نحو المستقبل الذي يؤهله للنهوض بمهامه القومية من خلال توحيد القرار الاقتصادي بين البلدان العربية، وعدم الخوض في تحالفات متناقضة تؤدي إلى تشتت الجهد العربي، وبالتالي المضي في ركب تلك السياسات الخارجية. ومن المعلوم أن الوطن العربي يمتلك الثروات الطبيعية والبشرية بما يؤهله لتكوين كتلة اقتصادية تستطيع أن تمتلك ناصية العلم والتقدم.
وهنا يجب أن نعلم أن من الخطأ أن نبقى ننتظر الحليف الفائز في هذه المبارزة السياسية الاقتصادية والتي يراد منها صعود قطب على حساب قطب آخر؛ لأننا سنخسر الوقت والجهد، وبالتالي فإننا سنفقد الطريقين، والأنسب أن نتخذ الطريق (المحصلة) بين القوى المتسابقة نحو الصعود لزعامة العالم، وأن نجعل علاقتنا بتلك الدول مبنية على المصلحة المشتركة بيننا وبينها دون أن ننحاز إلى طرف على حساب طرف آخر، وأن تكون سياستنا ثابتة بهذا الاتجاه.
ومن الضروري هنا أن نفعِّل دور جامعة الدول العربية، وأن لا نهمش قراراتها، وأن نختار من يصلح لقيادتها؛ لأن جامعة الدول العربية في حالتها الحالية لا تمثل ولا تستطيع أن تمثل إلا نفسها لعدم تمكنها من مواكبة التغيرات السياسة والاقتصادية التي تدور حولنا، وهذا ما لمسناه في رد فعلها تجاه التغيرات التي حدثت في العالم والتي تمس الأمن القومي العربي والأمن الاقتصادي العربي على حد سواء. ولست هنا بصدد انتقادها أو وضع اللوم على قادتها، ولكنني أرى أن من الممكن أن نفعِّل دورها في استقطاب القرار السياسي العربي ونجاحها في تكوين التجمع العربي الاقتصادي على أقل تقدير، من خلال رفد كادرها بشخصيات سياسية واقتصادية عربية لها القدرة على التفاوض السياسي والحنكة في التفاوض في المحافل العالمية ومن خلال المؤتمرات الاقتصادية أو مؤتمرات حقوق الإنسان أو التمثيل العالمي في الأمم المتحدة، ولأننا نمتلك تلك الطاقات المبدعة في وطننا العربي.