د . أحمد بن علي المعشني:
كان قيامنا بنظافة ساحات وصفوف ومرافق المدرسة ونقل الأثاث والكتب بين القاعات الدراسية نشاطًا يوميًا، نقوم به كل صباح قبل طابور المدرسة وبعد انتهاء الفسحة وفي ختام اليوم الدراسي، نؤديه طواعية كنشاط تلقائي تدفع إليه حاجة المدارس التي أنشئت لمواكبة الحاجة الملحة للتعليم في جميع مناطق السلطنة، في المدن والجبال والبادية.
أدركت لاحقًا عندما صرت أعمل في وزارة التربية والتعليم أن كثيرًا من المدارس التي أقيمت خلال حقبة السبعينيات من القرن الماضي في الجبال والمناطق النائية، كانت عبارة عن خيام أو بيوت مبنية من المواد غير الثابتة، لتلبية الحاجة الملحة للتعليم.
كان ذلك تجسيدًا لشعار أطلقه السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ (سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة) تزامن التعليم بمختلف مراحله مع تقديم خدمات الصحة وحفر الآبار ونشر مظلة الأمن ومحاربة الفقر، وتأمين الوظائف والإيواء لكل العمانيين العائدين من المهجر، وكانت هناك روح وطنية عامة تحرك جميع الجهود وتدفع المواطنين والوافدين لبذل أقصى ما يستطيعون من جهود لصناعة التنمية في المدن والأرياف.
كان المواطنون يعملون في جميع المرافق، ومن بينها تلك المدارس التي أتاحت الفرصة لكل من يعرف القراءة والكتابة بأن يعملوا كمعلمين في المرحلة الابتدائية، وكان النظام السائد مرنًا يتيح العمل بفكرة الصفوف المجمعة التي تستقبل التلاميذ من جميع الأعمار دون العشرين عاما، ثم يتم تصنيفهم وفقًا لمستوياتهم الدراسية والعمرية بعد أن يتم التأكد من محو أميتهم.
أتذكر نشر التعليم وتطويره كان متزامنًا مع ما شهدته النهضة في جميع المجالات الأخرى، وخاصة ما يتعلق بالصحة والضمان الاجتماعي والتشغيل ونقل التنمية إلى المناطق النائية في الجبال والبادية، وهذا نعيش اليوم نتائجه في استقرار المواطنين في مناطقهم نظرًا للتنمية اللامركزية التي جاءت إلى المواطنين في مناطقهم مهما كانت قريبة أو بعيدة وبصرف النظر عن كثافة السكان في تلك المناطق، وبالتالي صار شهر نوفمبر من كل عام هو عيد ميلاد العديد من المشاريع الوطنية العملاقة كالطرق والمستشفيات والمياه والموانئ..
وغيرها من المشاريع، وصار الاحتفال بتلك الانجازات فرصة يلتقي المواطن خلالها بالسلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ وبالوزراء، ومع مرور الوقت صارت مناسبات الاحتفال بافتتاح المشاريع مظهرًا وطنيًا يجمع جميع فئات المواطنين للتعبير عن الشكر والامتنان لوطنهم وقائده ولشحذ الهمم والجهود لمواصلة المسيرة النهضة التي لا تزال تنمو وتتوسع وتتنوع يومًا بعد يوم.
أتذكر جيدًا بعضًا من تلك المناسبات الوطنية التي يشارك الطلبة فيها رجال القوات المسلحة والفرق الوطنية الباسلة في مسيرات احتفالية تنطلق من بوابة قصر الحصن بصلالة مرورًا بالشرفة السلطانية، حيث كان ـ رحمه الله ـ يجلس بمعية كبار المسؤولين والأعيان والوجهاء.
كانت هتافات الطلبة وأصوات الهبوت تمتزج بإيقاعات موسيقى الفرقة السلطانية وموسيقى القوات المسلحة فتخرج ايقاعا يعلو صوت البحر.
وكانت مشاعر الابتهاج متألقة، متناغمة ومزدهرة جدًّا، وكان السلطان الراحل ـ طيب الله ثراه ـ يتلقى التحية والسلام من جميع أبناء شعبه كبارًا وصغارًا، يستقبل الولاء بالابتسامات والتأييد.
كنا نحن الطلبة نتعلم من تلك المناسبات الوطنية بالفعل والمحاكاة والمشاركة، وكنا نتعلم من كل موقف ومن كل خبرة تتاح لنا، وعبر تلك المواقف كانت عقولنا تتعاطى مع تلك المعاني الجليلة للشراكة بين الحكومة والمواطنين، وتكامل الأدوار بين المجتمع بمختلف فئاته ومستوياته وعلى اختلاف أعمارهم، فيرى كل مواطن عماني كبيرًا أو صغيرًا مكانه ودوره وجهده في صناعة النهضة المباركة.

رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية ـ مؤسس العلاج بالاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)