أحمد صبري:
سنتان مرتا على الحراك الشعبي في العراق ولبنان لم يحققا ما كان يتطلع إليه جمهور البلدين، رغم أن البيئة الحاضنة كانت داعمة وتدفع باتجاهات التغيير المطلوب من فرط ما أصاب البلدين من تراجع في شتى الميادين. وكان الحل المطلوب هو إعادة النظر بالمنظومة السياسية بالبلدين، ولم تكن مصادفة اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان، وإنما كانت تعبيرا عن مزاج الشارع العربي الذي ضاق ذرعا بفشل وإخفاق الطبقة السياسية التي تحكم البلدين، في صورة بدأت تتشكل بعيدا عن قواعد اللعبة السياسية ونظام المحاصصة الطائفية والسياسية.
والسؤال: ماذا تحقق بعد عامين من الحراك الشعبي الذي كلف العراق نحو 700 قتيل و30 ألف جريح، فيما كلف لبنان خسائر بشرية ومادية واقتصادية، ومع حجم هذه التضحيات اصطدم الحراك الشعبي بحائط الانسداد السياسي الذي وجد في إصرار المشاركين فيه ودعواتهم للتغيير الحقيقي خطرا يهدد هيمنتهم واستمرارهم إنكار حقوقهم المشروعة؟
في العراق أدى الحراك الشعبي إلى استقالة رئيس الحكومة آنذاك عادل عبد المهدي من دون رؤية للخطوة التالية في عملية الإصلاح، ومحاسبة قتلة المتظاهرين واسترداد أموال العراق من جيوب الفاسدين.
وفي موقف مشابه استقال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في لحظة فاصلة لم تقنع الجمهور المنتفض بإجراءات الحكم للتعاطي مع مطالب الجمهور الذي وجد فيها محاولة لامتصاص غضب الجمهور والتدليس على مطالبه المشروعة، ناهيك عن ضحايا قتلوا بدم بارد وسط أزمة مالية أطاحت بالعملة المحلية، وتغول الغلاء وتوحشه على حاجات الجمهور وسعادتهم.
فلبنان الذي يدفع شعبه فاتورة فشل طبقته السياسية التي لم تتورع في إضافة أحمال جديدة على كاهل مواطنيها، يواجه حراكا شعبيا يبدو أنه لم يتوقف ويركن لوعود كاذبة تجاوز المحرمات التي كانت تمنع الجمهور من كسر محدداته، والمطالبة بحقوقه المشروعة، ومنع يد السراق الذين يستظلون بتلك المحرمات للوصول إلى سرقة أمواله في تحول كبير وضع لبنان أمام مفترق طرق خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت.
والمقاربة في البعد الآخر لصورة الحراك الشعبي كانت عراقية عنوانها المقاطعة الشعبية للانتخابات جراء عدم ثقتهم بهذه الممارسة التي لم تختلف عن سابقتها ولم تحقق لهم ما يتطلعون إليه، فكان عزوف الناخب العراقي عن إعطاء صوته للذين أبقوا العراق متداعيا ولم يحافظوا على ثرواته من دون الكشف عن قتلة متظاهري الحراك الشعبي، وملاحقة حملة السلاح الذين حولوا العراق إلى غابة تتصارع فيها بنادق المتخاصمين.
هذا المشهد السوداوي يعكس حال العراق ولبنان هو الذي دفع مئات الآلاف من العراقيين واللبنانيين للنزول إلى الشارع والمطالبة بالحقوق بانتفاضة شعبية عفوية عابرة للطائفة والعرق.
إذًا، فإن مسار الحراك الشعبي وتطوراته في العراق ولبنان ـ وإن خفت وتيرته ـ فإن المنتفضين فيهما قدموا دماءهم الزكية لهدف قد يتأخر بسبب مواجهة أنياب السلطة التي ترفض مطالبهم.
فبُعد الصورة الآخر في كلا البلدين بدأ يتشكل ويرسم ملامح مشهد جديد عابر للجدران الطائفية، وتنمر وتغول السلاح كخيار إلى فضاء الدولة المدنية التي تسودها العدالة ويحكمها القانون.