ليست هي المرة الأولى التي تتدخل فيها الولايات المتحدة ضد أي مطلب أو قرار أو حتى فرصة فلسطينية، إنها المرات المتتالية التي دأبت فيها أميركا على موقفها المعادي لكل شأن فلسطيني. وفي المقابل، هي المرات التي لاتعد تلك التي انحازت فيها أميركا إلى اسرائيل، دعما وقولا، ففي تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي مايؤكد هذا الكلام، وإذا أردنا احصاءات بهذا الشأن سيكون لدينا الكثير، وتعتبر بمعظمها عدوانا على الشعب الفلسطيني وعلى قضيته المحقة.
السعي الفلسطيني للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية هو من باب تقديم شكاوى ضد الكيان الصهيوني باعتباره كيانا محتلا. وهو ما يمثل إزعاجا شديدا لأميركا وحليفتها إسرائيل، ولذلك فإن اسرائيل تسعى بكل الوسائل والطرق وبدعم من حلفائها المعروفين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة من أجل منع وصول الطلب الفلسطيني إلى مبتغاه. دون أية روادع أخلاقية بأن للفلسطيني حقا شرعيا أن يمارس دوره كدولة وككيان له خصائص الدولة. ولن تتوقف أميركا عن ممارسة ضغوطها على المحكمة تحت اعتبار أن ليس هنالك دولة فلسطينية بل كما تقول إسرائيل (سلطة تتحالف مع الإرهاب في غزة ) ويقصد حركة حماس.
لكن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أصر على أن فلسطين ستصبح عضوا في المحكمة الجنائية بدءا من شهر مارس القادم، وهي تقدمت بطلبها للحصول على موقع لها فيها، مؤكدا أن ليس من قوة على الأرض يمكنها منع السلطة الفلسطينية من الوصول إلى هذا الهدف.
ومع ذلك تواصل الولايات المتحدة الأميركية ممارسة ضغوطها لتعطيل وصول الفلسطينيين إلى عضوية المحكمة الجنائية، وقد وصل بها الأمر لأن تهدد بقطع المعونة التي تقدمها للسلطة الفلسطينية، وهذا في الحقيقة ليس بمستغرب بل هو موقف اعتاد عليه ـ ليس الفلسطينيون والعرب وحدهم ـ بل اعتاد عليه المجتمع الدولي، وشكل منذ النكبة نهجا أميركيا لصالح العدو، رغم كل الكلام الأميركي والوعود عن دعم المطالب الفلسطينية المشروعة،ورغم التحركات المكوكية التي يقوم بها المسؤولون الأميركيون بزعم إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وإذا ماتسنى ذات يوم أن يفصح الفلسطينيون عما دار مع الأميركي وعما وعده الأميركي فسيكون ذلك مفاجئا للجميع، رغم معرفتنا ببراجماتيته التي لاتتأثر، ورغم إدراك الفلسطيني بأن الاميركي لن يحيد إطلاقا عن دعمه الشامل والكامل للإسرائيلي في شتى المجالات السياسية والعسكرية.
ليست مفاجأة إذن مواقف الولايات المتحدة التي هي أكثر حرصا على إسرائيل من حرصها على نفسها. ولا نغالي في تأكيد ماقاله ذات مرة لاحدى الصحف الأميركية الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد " من أننا نشعر أحيانا بان اسرائيل هي أم الولايات المتحدة " فالشواهد أمامنا حية تصرخ بصدق ودقة هذا التوصيف للعلاقة التي تربط أميركا بالكيان الإسرائيلي الغاصب للحق الفلسطيني.
فهل يتمكن المسعى الفلسطيني في ظل هذه الضغوط الهائلة الإسرائيلية والأميركية من الوصول إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية، أم ستنجح واشنطن مرة أخرى في إفشال المسعى الفلسطيني، كما نجحت في منع صدور قرار إنهاء الاحتلال في مجلس الأمن الدولي؟