د. محمد بن حمد الشعيلي:
في مسيرة الأوطان المشهود لها بعظمتها وبعلو تاريخها، قدمت تضحيات جسام من أجل تحقيق مجدها، وفي طريقها لاعتلاء مكانة مميزة بين الأمم والشعوب، ولطالما توافر ذلك لعُمان في كثير من فترات تاريخها المجيد، فكان التناغم حاضرا بين قيادتها وأهلها، في عملية تكاملية جسَّدت السعي نحو تحقيق الهدف المتمثل في أن تظل الغاية الأسمى عُمان أولا وأخيرا، وما كان دائما يُمثِّل حلما تحوَّل إلى حقيقة، عندما آمن هذا الوطن دائما بقدرات قيادة حكيمة وبإمكانات شعب وفي، فترجم ذلك إلى إنجازات حقيقية في مختلف المجالات، وتطوُّر طال الإنسان والأرض معا.
وفي هذه الأيام تعيش عُمان قاطبة على وقع احتفالاتها السنوية الزاهية بمناسبة وطنية غالية على قلوب جميع العمانيين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة، تتمثل في عيدها الوطني الحادي والخمسين المجيد، احتفالية تُجسد نهضة شاملة ومتكاملة أرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ، والذي نجح في أن يعيد لعُمان هيبتها ومكانتها، وفي أن ينقلها إلى مصاف الدول المتقدمة سلوكا وعمرانا، بنية وقيما، وحقق لعُمان ما كان يصبو إليه بكل جد واجتهاد، فرحل بعد أن وعد فأوفى وصنع فأنجز في مسيرة حافلة بالعطاء وبالإنجازات امتدت زهاء نصف قرن من الزمان، ستظل خالدة في تاريخ عُمان على الدوام.
وعلى خطى السلطان الراحل، وبكل ثبات وعزم يواصل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مسيرة البناء الظافرة، والعمل على قيادة عُمان إلى آفاق أعلى ومرحلة أكثر تطوُّرا تتناسب مع طموحات أبنائها الأوفياء، وهو الذي حرص ـ أعزَّه الله ـ على أن يظل الثامن عشر من نوفمبر بمثل ما عرف به من عيد وطني لعُمان وأهلها الكرام، في بادرة كريمة من لدن جلالته تتضمن كل معاني الولاء وقِيَم الوفاء لعُمان ولمفجر نهضتها الحديثة جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ مستشعرا ـ وبكل فخر ـ المسؤولية الكبيرة في هذا الجانب، ولذلك جاء النطق السامي في خطاب جلالته الثاني في الثالث والعشرين من فبراير من عام 2020م، ما يؤكد هذا الأمر، عندما قال ـ أعزَّه الله:
"إن العقود الخمسة الماضية شهدت تحوُّلًا كبيرًا في بناء الدولة العصرية وتهيئة البنى الأساسية الحديثة والمتطورة في كافة ربوع الوطن بقيادة باني عُمان الحديثة المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيَّب الله ثراه ـ وبجهود المخلصين من أبناء عُمان الذين نسجل لهم كل التقدير والإجلال على ما بذلوا من أجل رفعة عُمان وإعلاء شأنها، وإننا ماضون ـ بعون الله ـ على طريق البناء والتنمية نواصل مسيرة النهضة المباركة كما أراد لها السلطان الراحل ـ رحمه الله ـ مستشعرين حجم الأمانة وعظمتها، مؤكدين على أن تظل عُمان الغاية الأسمى في كل ما نقدم عليه وكل ما نسعى لتحقيقه، داعين كافة أبناء الوطن دون استثناء إلى صون مكتسبات النهضة المباركة والمشاركة الفاعلة في إكمال المسيرة الظافرة".
واليوم عندما نرى قطاعات الحياة في عُمان بكل مجالاتها المتعددة وأنماطها المختلفة، نلمس حجم التغيير الهائل الذي حدث فيها بشهادة الجميع، ومن تطوُّر لا يزال مستمرا في كافة الجوانب لا يمكن حصره، تحوَّلت معه عُمان إلى دولة عصرية حديثة اختلفت الأوضاع فيها عما كانت عليه قبل عقود مضت، ولم يكن ليتحقق ذلك لولا الشراكة الحقيقية بين فكر القيادة والالتفاف الشعبي حولها، فكانت النتيجة دائما وأبدا الخير لهذا البلد العزيز.
وعلى الرغم من الأوضاع السياسية المضطربة والأزمات الاقتصادية الصعبة التي طالت دول العالم في السنتين الأخيرتين بفعل جائحة كورونا والمسببات الأخرى التي رفعت من حجم المسؤولية وعظم التحديات وثقل الأمانة، إلا أن جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ حرص دوما على التوجيه نحو اتخاد الإجراءات التي يمكن من خلالها أن تقي عُمان وشعبها من المخاطر والتهديدات التي شكلتها التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك، والعبور بعُمان إلى بر الأمان، واستقرار الأوضاع فيها، وترشيد الإنفاق الذي يمكن من خلاله الحفاظ على مستوى مالي واقتصادي يساعد في تنفيذ البرامج التنموية في كل القطاعات وتحقيق الأهداف الوطنية المرجوة، مما يؤكد اهتمام جلالته على مواصلة مسيرة النهضة المباركة بكل همة واقتدار وبأُسس ثابتة وعمل منهجي ومخطط.
ويأتي هذا اليوم الخالد في ذاكرة عُمان تاريخا وحاضرا ومستقبلا، وعُمان مثلما أرادت لها قيادتها أن تكون، والتي عملت طوال العقود الماضية على الاستثمار في البنيان وفي الإنسان بشكل متوازٍ، حتى تحقق لعُمان ما تصبو إليه من نهضة مجيدة ومن إنجازات عظيمة، متطلعين نحو مستقبل أكثر نماء وتطوُّرا يحمل الخير بإذن الله لعُمان وأهلها، ويعزز ثقتنا الكبيرة في أن هذا الوطن سيظل على عهده يخطو بخطى واثقة في مسيرته المظفرة، في ظل ملحمة عظيمة بين قيادته وشعبه من أجل المضي قدما في الارتقاء به في مختلف الجوانب المعروفة والمجالات المعهودة، فبارك الله لنا من وطن عظيم، وحفظ لنا فكر قيادته الحكيمة، وهمة شعبه الأصيل، سائلين المولى عزَّ وجلَّ بأن يحفظ عُمان على الدوام أرضا وقيادة وشعبا، وكل عام وعُماننا الحبيبة بألف خير.