خميس بن عبيد القطيطي:
مع بزوغ فجر الثامن عشر من نوفمبر عام 1940م كانت السماء تحمل أخبارا سارَّة لهذا الوطن العزيز ـ سلطنة عُمان ـ بميلاد طيِّب الذكر جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله. ومن مفارقات القدر أن العالم كان يغلي في ذلك التاريخ باشتعال الحرب العالمية الثانية التي اندلعت بعد عقدين فقط من الحرب العالمية الأولى مما ترك آثاره وتداعياته على العالم أجمع، ولم تكن عُمان استثناء عن هذه القاعدة، بل عانت من الهموم والآلام ما يجعل الحالة العمانية أكثر ابتلاء وشدة. فعُمان التي ورثت امبراطورية عظيمة لحقب تاريخية سالفة، عانت لاحقا من ظروف اقتصادية وسياسية شديدة وتدخلات خارجية زادت من تلك الهموم والآلام، ولكنها تبقى عُمان الحضارة والتاريخ تعود لتلمع مجددا وتستعيد دورها في حركة التاريخ. ففي مثل هذا التاريخ 18 نوفمبر من عام 1940م جاءت الأقدار بأحد صنَّاع التاريخ العُماني الحديث ليكون قابوس نور المستقبل لعُمان الحديثة، وبعد ثلاثة عقود تولَّى جلالته ـ رحمه الله ـ مقاليد الحكم في عُمان ناذرا نفسه في سبيل وطنه، حاملا رسالته لإخراج عُمان من ظلام الماضي إلى نور المستقبل والانفتاح والمعاصرة، فسخر الله له المصادر التي وظفها بحنكة وذكاء ليحدث تحوُّلا تاريخيا في عُمان، وسخر له قلوب هذا الشعب العظيم فوحدها على المحبة والوحدة والعمل من أجل عُمان، وانطلقت مسيرة عُمان الحديثة منذ 23 يوليو 1970م تحت قيادة جلالته الحكيمة، فقضى على الانقسامات الداخلية وبنى نهضة عظيمة، ثم انطلقت عُمان في محيطها العربي والدولي لتشكل خمسة عقود ذهبية على خريطة العالم. واليوم في العيد الوطني الحادي والخمسين المجيد تستذكر عُمان هذا القائد الفذ العظيم أعزَّ الرجال وأنقاهم قابوس ـ رحمه الله ـ لتخلد سيرته، ونسأل الله سبحانه أن يتغمده بواسع رحمته ويكرم مثواه في روح وريحان وجنة نعيم مع النبيين والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ويجزيه عن عُمان وأهلها خير الجزاء، وما أجمل الوفاء عندما تستمر سفينة الخير مبحرة على نهجه بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ في العهد الجديد، فقد عاهد شعبه بالسير على خطى السلطان الراحل، ليظل هذا اليوم ثابتا في روزنامة الوطن وخالدا في تاريخ عُمان.
عُمان بلد الحضارة والتاريخ تزخر بأوراقها الرابحة التي حباها الله سبحانه، وأبرزها هذا الشعب العظيم الذي يظهر دائما في الحواسم التاريخية، عُمان تقدم للعالم اليوم صورة مشرقة لنهج سياسي حكيم، وإرث حضاري إنساني عظيم شكل شخصية عُمان مترسخا في أبنائها جيلا بعد جيل، عُمان بلد الخير بموقعه المتميز وثرواته وتنوع مناخه وتضاريسه ولله الحمد، ولا شك أن دعاء الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأهل عُمان ما زال فضله ساريا حتى اليوم.
عُمان تبني جسور السلام مع الأشقاء، وتقدم نفسها في محيطها الإقليمي والدولي تنهج سياسة السلام وتنشد الخير للأشقاء والعالم أجمع، تدرك أن قِيَم الإنسان هي الأساس لحياة الأمم والشعوب، وتقدم نموذجها السياسي وفق هذا المنظور الإنساني الكريم وتسعى لخير الإنسان أينما كان، وما زال النموذج العماني يشار إليه بالبنان، فلم تتغير عُمان في نهجها ولم تُلْحن في بيانها، وظلَّت ثابتة على مبادئها في كل محطاتها التاريخية وفي جميع قضايا أمتها، هكذا هي عُمان تحتفي بعيد نهضتها الحادي والخمسين المجيد حافظة لعهدها مجددة لنهضتها ثابتة على جوهرها، تبني مستقبلها بعرق أبنائها، لتظل شامخة قوية راسخة بعون الله، كل عام وعُمان بخير وسلام وازدهار.