سَنة تلو أخرى تُثبت النَّهضة العُمانيَّة المباركة رُسوخها وقُدرتها على مواجهة أعْتى الأزمات وأكثر التحدِّيات صُعوبة، تضع نَصْبَ أعْيُنها دائمًا العمل المُتجدِّد؛ للحفاظ على ما تمَّ تحقيقه من مكتسبات ومنجزات، نهضةٌ جدَّدت شبابها تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وبتضافُر جهود أبنائها البَرَرة المُخلِصين، الذين يضعون مصلحة الوطن نَصْبَ أعيُنهم دائمًا، ويتمسَّكون بطُموحاتهم في أصْعب الظُّروف وأشدها حرجًا؛ ليثبتوا للعالَم أجمع أنَّهم ماضون وفق التَّوجيهات السَّامية نَحْوَ مستقبَلٍ أكثر إشراقًا، يزخر بالنُّمو المُستدام، ويُبنى بخطط وبرامج واعيَة لتحدِّيات العَصْر، وتقلُّبات الدَّهر، وفق تصميم وإرادة لا تَحِيد عن أهدافها قَيْدَ أُنملة، تستولد المستقبَل من رحم صعوبات فرضها الحاضر، بإصرارٍ وعزيمة فولاذيَّة، وصَبْر ومثابرة، جدَّدت من شباب نهضتها، وجعلتها تتغلَّب على الصِّعاب واحدًا تلو الآخر بخُطًى ثابتة يملؤها التحدِّي القائم على رؤيَة علميَّة قادرة على تلبيَة طُموحات الوطن بكُلِّ قطاعاته.
إنَّ ما حقَّقته مَسِيرة النَّهضة المباركة، في آخر عاميْنِ فقط، من منجزات وفي أشد الفترات الحَرجة في التَّاريخ العُماني الحديث كفيل ليؤكِّد للعالَم أجمع ما يملكه هذا الشَّعب العريق من قدرات فذَّة، عبَرَت به ـ بفضل التَّوجيهات السَّامية لقائد البلاد المفدى ـ من عُنق الزُّجاجة، وسْط تحدِّيات جِسام تمثَّلت في أزمة تنامي الدَّيْن، الذي خلَّفه الانخفاض العالَمي لأسعار النِّفط، وما أعقب ذلك من تحدِّيات جديدة فرضها تفشِّي فيروس كورونا "كوفيد19"، حيث واكبت الرُّؤية السَّامية ما بَيْنَ ترشيد الإنفاق كخيار يحفظ مقدَّرات الوطن، وبَيْنَ مواجهة تداعيَات الأزمة الصحيَّة التي ضربت العالَم، والتي فرضت إغلاقًا وتباعدًا اجتماعيًّا، كان له أثَر سلبيٌّ على الجانبَيْن الاقتصادي والاجتماعي، واستطاعت السَّلطنة في عامِها الحادي والخمسين من تاريخ نهضتها الحديثة، مواجهة تلك الصِّعاب وتخطِّيها وسْط إشادات دوليَّة مُتعدِّدة، أثْبَتتْ قُدرة أبناء عُمان ـ قيادةً وشعبًا ـ على الوصول بوطَنِهم إلى بَرِّ الأمان.
ونحن نحتفل بمناسبة العيد الوطني الحادي والخمسين المَجيد، علينا مع استذكار الماضي العظيم، أنْ نفخر أولًا بما تمَّ تحقيقُه وإنجازُه في العامِ الأخير، فقد عملت السَّلطنة خلال مواجهتها فيروس كورونا المُستجِد "كوفيد19" على اتِّخاذ قرارات وسطيَّة وإجراءات احترازيَّة ضَمِنت بشكْلٍ كبير سلامة المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيِّبة، وأدَّت إلى تحسُّن مُؤشِّرات الوضْع الوبائي، بالإضافة إلى تقليل الآثار الاقتصاديَّة التي أوجدتْها الجائحة عبْرَ عددٍ من القرارات التي هدفت إلى التَّخفيف من آثار وتداعيَات الجائحة على المُؤسَّسات والشَّركات بمختلف مستوياتها.
كما سطَّر أبناء عُمان البَرَرة تحت القيادة الحكيمة لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أيَّده الله ـ ملحمةً شعبيةً جسَّدت التَّلاحم والتَّآزر بَيْنَ أبناء هذا الشَّعب المعطاء، فقد واجَه أبناء عُمان الحالة المداريَّة "شاهين" بوعْيٍ مُنقطع النَّظير، والتي كان جلالته ـ أبقاه الله ـ يُتابعها أوَّلًا بأوَّل ويُوجِّه باتِّخاذ أقْصَى درجات اليَقظة في مواجهة تلك الأنواء الصَّعبة، وتَجلَّت اللُّحمة الشعبيَّة الوطنيَّة بتلك المُساندة الطيِّبة والمُثيرة للإعجاب التي أبداها أبناء عُمان مع الجهود التي بذَلَتها الحكومة، وقد انعكست هذه الاستجابة السَّريعة من جلالة عاهل البلاد المفدى على ما شهدناه من عمل دؤوب ومتواصل من الجهات المعنيَّة، لتأتي الأوامر السَّامية الخاصَّة بإنشاء صندوق وطني للحالات الطَّارئة، لتضع إطارًا للتَّعامل مع مثل تلك الحالات المداريَّة في الحاضر والمستقبَل.
وتأتي خطَّة التوازن المالي متوسِّطة المدى (2020 – 2024) ، والتي هدفت إلى خفْض الدَّيْن العامِّ وضمان الاستدامة الماليَّة، والتي وازنت بَيْنَ ترشيد الإنفاق وبَيْنَ استمرار مستوی العَيْش الكريم اللَّائق للمواطنين والتَّخفيف من تأثيرات هذه المَرْحلة التي تشهد تحدِّيات مختلفة، وهو ما رصَدت تحقيقَه العديدُ من المُؤشِّرات، ما شكَّل تحدِّيًا كبيرًا استطاع العُمانيون تحقيقه في ظروف استثنائيَّة، ولقد أظهرت هذه الإجراءات نتائج إيجابيَّة، حيث سجَّلت السَّلطنة ارتفاعًا في إجمالي الإيرادات بنسبة 6ر22 بالمئة وانخفاضًا في العجز بنسبة 58 بالمئة حتَّى نهاية سبتمبر الماضي، وهو ما دفع صندوق النَّقد الدولي إلى توقُّع تعافي الأنشطة الاقتصاديَّة في السَّلطنة وتحقيق نُمو في النَّاتج المحلِّي الإجمالي الحقيقي بحوالي 5ر2 بالمئة في هذا العام و2ر4 بالمئة في عام 2023م، وهو إنجاز جديد يؤكِّد رسوخ تلك النَّهضة، وتجدُّدها، في ظلِّ القيادة الواعيَة لجلالة السُّلطان المعظَّم.
وختامًا، لا يسعنا ـ بهذه المناسبة ـ إلَّا أنْ نتوجَّه بأصدق عبارات التَّهاني لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظَّم، سائلين المولى عزَّ وجلَّ أنْ يعيدها عليه أعوامًا عديدة وأزمنةً مديدة، ويكلأه بعَيْنِ عنايته ورعايته، ويحيطه بتوفيقه، ويسبل عليه لباس الصحَّة والعافيَة والسُّؤدد، وأنْ يجعل عُمان بقيادته تنعم بالخير والرَّخاء والاستقرار والأمن والأمان.. إنَّه سميع مجيب الدُّعاء.