د. محمد المعموري:
سيظل شهر نوفمبر علامة مضيئة في التاريخ العماني الحديث، فهو الشهر الذي شهد مولد رجل الحكمة والسلام المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيَّب الله ثراه.
فلم يكن هذا القائد الفذ “رحمه الله” ثائرا، ولكنه كان مصلحا، خط مع شعبه سبل الحياة بكل ما تحمله من رقي وحضارة واستقرار، بدأ ببناء الإنسان فأبدع في دمج مكوِّنات الشعب في نسيج واحد نحو مسار واحد واتجاه معروف الأبعاد والأهداف، مع حب الوطن والتضحية من أجل الوطن وفداء الوطن، فعمَّق روح الوطنية، وجعل المساواة بين فئات الشعب الطريق الأصلح لبناء المجتمع، لينطلق بعدها نحو الأبعاد التي تؤهل هذا المجتمع على بناء البنى التحتية استعدادا لبناء الوطن، فخطط ورسم، ثم نفَّذ فجعل من سلطنة عمان منظومة عمل متكاملة، وكان اتجاهها يتفرع إلى مكوِّنات التقدم والازدهار، وكان الأمل والهدف والطموح جميعهم مجتمعين في بوتقة الإخلاص والبناء والإصرار على التقدم... وما مرت سنوات حتى أصبحت السلطنة عنوانا بين الدول المتطورة، وأصبحت ثقة العالم تتعزز بإدارة وسياسة جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله ـ على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، فأضحت سلطنة عُمان عنوانا للسياسة الحكيمة والواجهة الحضارية في الخليج العربي، ولم تكن كذلك فحسب، بل أصبحت تعد من الدول الأكثر نماءً في المنطقة بأسرها، وأصبح ثقل السلطنة السياسي يشكل النقطة المضيئة التي يتجه إليها الخصوم في المنطقة لتكون سلطنة عمان الطاولة السياسية التي تتفتت عليها مشاكل سياسية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط بقيادة المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس “حكيم العرب”.
أما على الصعيد المحلي فكانت السلطنة تسير بخطى ثابتة وفق برنامج أعده مهندسها وباني نهضتها الحديثة جلالة السلطان قابوس “طيَّب الله ثراه” فأصبحت مناهج التعليم في السلطنة من أرقى المناهج التي تنافس المناهج العالمية، وأصبحت للتعليم العالي حصة للابتعاث وطلب العلم في أرجاء المعمورة، ليعود بعد أعوام من تلك الدول جيل حامل معه رسالة العلم ليرفد السلطنة بما تعلم، ولتستمر عجلة العلم والتعلم في سلطنة عُمان حتى أصبحت الجامعات العمانية تزهو بعلمائها من العمانيين. أما على صعيد الرعاية الصحية فإنها أصبحت من أرقى الطرق الطبية المعتمدة في العالم والذي تمثل في الرعاية الصحية للمواطن وبناء المستشفيات التي تضاهي المستشفيات العالمية، وسمح بتأسيس المستشفيات الأهلية ليكون للقطاع الطبي الخاص حصة في التنافس والإبداع لخدمة المواطن. أما على صعيد الإعمار فحدث ولا حرج، غدت مدن عمانية في سنين قليلة تتربع قائمة أجمل المدن وأنظفها في العالم حتى أنك تجزم أنك في مدن (ألف ليلة وليلة)، واكتملت البنى التحتية لتخدم المواطن بأرقى وأحدث المعدات والتي نفذتها الشركات المعتمدة والتي لها الخبرة الواسعة في هذا المجال. أما الطرق فإنها كانت تصمم وتنفذ وفق أرقى الطرق في العالم... في حين صارت مطارات سلطنة عمان تحفا فنية تستقبل وتودع السياح والوافدين بأروع تصاميم الإعمار وبأدق برامج الاستقبال والتوديع.
لم تكن السلطنة تبخل على مواطنيها بشيء، ففتحت أبوابها من التقدم والرقي أمام كل مواطنيها، وأصبح المواطن العماني يفخر بهويته، ويرى بأم عينه مدى ثقة العالم بسياسة بلده، وقوة تأثير تلك السياسة في جميع بلدان العالم، والتي أرسى معالمها حكيم العرب جلالة السلطان قابوس “طيَّب الله ثراه”؛ حكيم غيَّر مسار بلد، ونهض به نحو المعالي بصمت شديد وبجهد كبير وبإصرار منقطع المثيل.
أما على صعيد الاستثمار فكانت سلطنة عمان الباب الأكثر استقبالا للمستثمرين الأجانب؛ نتيجة الاستقرار السياسي والاقتصادي في السلطنة، ونتيجة الثقة التي يمتلكها العالم تجاه البلاد، فاستطاعت السلطنة إنشاء المناطق الحرة التي ساهمت بشكل كبير في استقطاب الاستثمار، ما جعل الشركات تتدافع لتتمكن من الحصول على ميزات الاستثمار في السلطنة. ويجدر بي الإشارة هنا إلى أن أذكر عمق التسهيلات الإدارية التي تقدمها المناطق الحرة للمستثمر وتسهيل مهمته، ما أتاح أن ينمو الاستثمار المحلي أو الخارجي في السلطنة.
أما على صعيد البيئة فكانت السلطنة من المشرعين والمنفذين لكافة قوانين البيئة، ما جعل السلطنة واحة خضراء تتمتع بتطبيق القوانين البيئية بكل دقة وبدون تهاون، حتى أصبحت مدن السلطنة جميعا واحة خضراء يتمتع الساكن فيها بطيب الإقامة ويتذكرها السائح بكل إعجاب.
بعد (51) عاما من التطور والبناء، علينا أن نقف لنتذكر القمة التي سعت لسعادة أبناء عُمان؛ علينا أن نتذكر الجيل الذي صبر وصمد وسهر وضحى من أجل أبناء عُمان؛ علينا أن نتذكر الأب والأخ والصاحب والصديق الذي رفع اسم عُمان إلى قمم المعالي، وأصبحت عُمان اليوم من أرقى الدول وأكثرها استقرارا... علينا أن نتذكر دوما حكيم العرب (السلطان قابوس) طيَّب الله ثراه.