المنامة ـ (الوطن):
أعلن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يتخذ من سلطنة عمان مقرا له أن مؤشر التضخم في دول مجلس التعاون سجل في شهر أكتوبر 2014 معدلات تراوحت ما بين الأدنى 1.02% في سلطنة عمان والأعلى 3.11% في دولة الإمارات العربية المتحدة مقارنة بالشهر المماثل من عام 2013.
جاء ذلك في الوقت الذي سجل فيه مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الغذاء (FPI) خلال شهر نوفمبر الماضي سادس انخفاض شهري له على التوالي، وهي أطول فترة من التراجع المتواصل في قيمة المؤشر الدولي منذ أواخر 1990 - وليبلغ في المتوسط 191.5، قالت منظمة الفاو إن محصولات الحبوب للموسم 2014 ـ 2015 وفيرة وتنبأ بانخفاض الاسعار عام 2015، لكن تقطع خطوط المواصلات قد يدفع بالأسعار إلى مستويات قياسية سوف تنعكس على أسواق دول الخليج.
ويسلّط تقرير الفاو الضوء على عدد من البقاع الساخنة التي تثير قلقاً خاصاً. والواضح أن تفشي فيروس "إيبولا" في غينيا وليبيريا وسيراليون نجم عنه تعطيل الأسواق، والأنشطة الزراعية، وسبل المعيشة مما أضر على نحو خطير بحالة الأمن الغذائي لأعداد كبيرة من السكان. كذلك يتبين أن إنتاج المحاصيل الغذائية في جمهورية إفريقيا الوسطى الذي شهد انخفاضاً حاداً في 2013، لا يزال أقل بكثير من المتوسط الاعتيادي، بسبب حالة انعدام الأمن المدني الواسعة النطاق. وفي شرق إفريقيا، تحسنت حالة الأمن الغذائي العام مع بدء الحصاد لدى العديد من البلدان. ولكن في حين غلب على أسعار المواد الغذائية في الإقليم حالة استقرار وانخفضت عموماً، إلا أن مستوياتها ظلت مرتفعة على نحو قياسي في كل من الصومال والسودان. وبينما تمثل ظروف الجفاف مشكلة لا يستهان بها في الشرق الأدنى، فيما أدى إلى إنتاج محصولي دون المتوسط من الحبوب بالمنطقة، فإن انفجار الصراعات في سوريا والعراق استتبع تدهوراً بالغاً في أوضاع الأمن الغذائي الإقليمية بما في ذلك أسواق المنطقة وهو ما قد ينعكس سلبا على أسعار الغذاء خلال العام 2015. وتثير معدلات التضخم التي اعلن عنها المركز الإحصائي الخليجي مؤخرا تساؤلات جدية حول اتجاهات التضخم في دول المجلس خلال العام 2015، حيث شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة تسجيل أعلى نسبة تضخم مقارنة مع دول مجلس التعاون الأخرى حيث بلغ معدل التضخم فيها 3.11%، تلتها دولتا الكويت وقطر بنسبة 3.0% لكل منهما، والمملكة العربية السعودية بنسبة 2.6% ومملكة البحرين بنسبة 2.5%، بينما سجلت السلطنة 1.02% وهو المعدل الأقل بين دول المجلس. وقد ساهمت جميع المجموعات الفرعية تقريبا في هذه الزيادات ولا سيما مجموعات الغذاء والسكن والنقل والترفيه. وبينما يتوقع أن تؤدي قوة العملة الأميركية بسبب تحسن وضع الاقتصاد الأميركي إلى انخفاض قيمة الواردات الخليجية مما ينعكس ايجابا على معدلات التضخم، لكن يبدو أن أسعار السكن لم يتم كبح صعودها، وكذلك التقلبات الإقليمية وانعكاساتها على خطوط الامدادات والاتصالات. وعامل آخر يهدد استقرار الأسعار هو لجوء عدد من دول المجلس إلى رفع او تقليل الدعم لبعض السلع التموينية وأسعار الطاقة خلال العام 2015 بعد تراجع إيرادات النفط. كما أن معدلات التضخم يتجاوز ارتباطها بالعوامل الآنية إلى عوامل هيكلية مثل ارتفاع درجة انكشاف الاقتصادات الخليجية على العالم الخارجي، حيث تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على الأسواق الخارجية بنسبة تفوق 90% لتلبية معظم احتياجاتها، لذلك فإن ارتفاع أسعار هذه المنتجات عالميًّا من شأنه أن يساهم في ارتفاع فاتورة الواردات. كما أن الاضطرابات الإقليمية تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن والنقل والتأمين عالميـًا. كما أن السياسات المالية والنقدية التوسعية المرتبطة بزيادة الانفاق يؤدي إلى زيادة النقد المتداول. ويرى خبراء أن بروز ظاهرة التضخم في الاقتصادات الخليجية لها آثار سلبية كثيرة من شأنها أن تلتهم ثمار النمو الاقتصادي وعوائد الاستثمار وكذلك الإيرادات المتأتية من ارتفاع أسعار النفط الذي تعتمد عليه دول المجلس كمصدر رئيسي من مصادر الدخل لرفد ميزانياتها الوطنية. كما أن المواطن الخليجي من أصحاب الدخل المحدود يتعرض لأكثر النتائج السلبية والشعور بحالة غلاء أسعار السلع والخدمات وارتفاع تكاليف المعيشة بسبب انخفاض الدخل الحقيقي الذي يحصل عليه.
كما أن تفشي ظاهرة التضخم وعدم القدرة على الحد من آثارها السلبية من شأنها أن يخيف المستثمرين ويجعلهم يهربون باستثماراتهم إلى مناطق أكثر استقرارًا وبالتالي خسارة رؤوس أموال طالما عملت دول التعاون على تشجيع جذبها للاستثمار في الأسواق المحلية.
وإزاء هذه المخاوف، تحتاج ظاهرة التضخم إلى حزمة من الحلول لمواجهة آثارها السلبية والحد من تداعياتها الاقتصادية تشترك فيها كل مكونات المجتمع الحكومي والأهلي وواضعي السياسات الاقتصادية والنقدية، بغرض السيطرة على آثارها السلبية والحد من نتائجها الاقتصادية والاجتماعية.
ويدعو هؤلاء الخبراء إلى المبادرة لاتخاذ عدد من الخطوات التي تسهم في الحد من ارتفاع معدلات التضخم خلال العام الحالي 2015 خصوصا بظل الأوضاع الاقتصادية السائدة في الوقت الرهن. وفي مقدمة هذه الإجراءات السعي لإحداث موازنة بين نمو الإنفاق الكلي من خلال قيام المصارف المركزية بتنظيم مقدرة البنوك التجارية على خلق الائتمان وتحفيزه للتوجه نحو القطاعات الانتاجية بدلا من الأنشطة الاستهلاكية والفردية. كذلك اعتماد سياسة مالية تقوم على أساس تحفيز وتشجيع الادخار والاستثمار والتقليل من مظاهر الاستهلاك الباذخ وإبطاء حركة دوران النقد المتداول. كذلك تشجيع المشاريع الإنتاجية ذات القيمة المضافة المرتفعة وتلك التي تساهم في توفير السلع والمنتجات الأساسية لتقليل الاعتماد على الخارج بالتزامن مع التوسع في بناء الصوامع والمخازن للسلع الاستراتيجية التي يمكن الاحتفاظ بها لفترات طويلة ومن ثم التحكم في الأسعار بشكل أفضل وتجنب مخاوف تقطع خطوط الامدادات والمواصلات.