أ.د. محمد الدعمي:
على الرغم من أن الاقتصاديين عامة (والعرب، من بينهم) يدركون جيدًا أن "ريعية" أغلب اقتصادات الدول المصدرة للنفط إنما تنذر بالخطر، إذا ما بقيت هذه الاقتصادات وحيدة الجانب، ولم تتمكن قياداتها من تخطي الاستهلاكية الطاغية نحو تحقيق النقلة الاقتصادية الأهم، أي من الاعتماد السلبي على تصدير النفط، إلى تنويع مصادر الدخل القومي، وذلك باستخدام واردات هذا التصدير لبناء قواعد اقتصادية صناعية أساسًا يمكن أن تحمي شعوبها في حال انهيار سوق النفط العالمية، وتمكن دول العالم الكبرى أن تستغني عن النفط باعتماد مصادر طاقة سخية أخرى تغني عن النفط، وتستبدله.
قد يصعب على البعض من القراء الكرام أن يصدق بأن النفط غدا "سُبّة" علينا عبر العالم الصناعي المتقدم، بمعنى أنهم يعتقدون بأنه لولا النفط المكنون في بواطن أراضي الإقليم المترامية، لما تمكنت شعوبنا من "مواكبة العصر": فالنفط هو الذي يمكننا أن نبتاع السيارات الفاخرة والطائرات المتطورة، بل هو الذي قد يمكننا من مشاركة أحد شبابنا مع بعض رواد الفضاء في ركوب الصواريخ.
وإذا لم يتمكن "أغنياء النفط" (كما يسميهم الغرب تهكمًا) تحويل مركز الثقل الاقتصادي إلى ما سواه من أنواع مصادر الدخل القومي، فإننا في الخليج العربي قد نواجه "مطبات" مدمرة، درجة اضطرارنا لاستذكار كيف كانت شعوبنا تعيش القحط والفقر والتخلف قبل "حقبة النفط"، درجة أن البعض يحسد أجدادنا الذين لم يسمعوا بهذه المادة السوداء السائلة التي بقيت تخرج من باطن الأرض وحدها على تخوم مدينة كركوك (العراق) مخلوطة بالطين، دون كنه سرها، إذ اعتمدها السكان المحليون "مسوحات" علاجية لدهن جلود أبقارهم وإبلهم وخرفانهم، دواءً لأنواع الأمراض الجلدية، وقد بقي الأمر كذلك حتى ظهر أوائل المختصين الغربيين الذين ابتعثتهم الشركات الكبرى، ليس فقط لقياس واستخراج ما تكتنزه الأرض من هذه المادة الحيوية، خصوصًا بعدما قررت (ذهبًا أسود) نتائج الحربين العالميتين الأولى (1914-1918)، والثانية (1939-1945) اعتمادًا على من يمسك بمصادر النفط على سبيل تقرير مصير أوربا والعالم منذ ما قبل أواسط القرن الماضي.
يتمنى أولو الأمر عبر العالم الغربي أن نبقى نستخرج النفط ونصدره، بينما يبقون هم يصدرون إلينا المنتجات الصناعية بسبب عدم قدرتنا (نحن) على إنتاجها! وهكذا تبقى دورة التراجع والاستغلال العالمي تستنفد مواردنا الطبيعية حتى يتمكنوا أن يستغنوا عن للنفط بتجريب الفحم الحجري ومصادر طاقة أخرى، ليتركونا نغرد بعيدًا خارج السرب!