د. محمد المعموري:
مهما كانت نتائج قمة "جلاسجو" التي انعقدت في بريطانيا وتحت رعاية الأمم المتحدة في الأول من نوفمبر 2021 واستمرت لمدة أسبوعين، وسواء نجحت في وعودها ومقرراتها أو أخفقت كما أخفقت قمة العشرين في إيطاليا، إلا أنني أرى من المهم أن هذا المؤتمر قد انعقد في وقت تتزايد فيه المسببات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، ومن المهم أن نسلط الضوء على تأثير هذا الاحتباس على الوطن العربي، وما تأثيراته؟ وكيف يمكن أن يتم معالجته؟ والطرق الصحيحة في احتواء الاحتباس الحراري، والعمل على عدم جعل الاحتباس الحراري كارثة تهدد العالم، ويستطيع أن يوقف عوامل النمو الاقتصادي في أقطارنا العربية، خصوصا بعد ارتفاع درجات الحرارة في العالم وعدم التمكن من السيطرة عليها، وقد يتم اتخاذا الإجراءات الفعلية لتقليل الاحتباس الحراري والسير قدما لتخفيف الانبعاث الكبير للغازات التي تسبب هذا الاحتباس، وإيجاد الطرق الصحيحة لامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون، أو الغازات الأخرى المنبعثة، والابتعاد عن استخدام المحروقات التي تتسبب في انبعاث الكربون من مصانع الدول في العالم، وخصوصا العظمى منها، ما إذا كانت الدول العظمى جادة في تحجيم هذا الاحتباس الذي يهدد العالم بأسره.
ورغم "تفاؤلي" بإيجاد السبل لتخفيف الاحتباس الحراري، إلا أنني لا أعتقد أن بريطانيا ستتخلى عن استخدام الفحم في التدفئة، وهي من الدول الأكثر استخداما له، ولن نرى على الأمد القريب أي تحرك يدفع الصين إلى خفض انبعاث الحرارة إلى المناخ نتيجة الاستخدام الهائل للغازات التي تساعد على التدفئة، ولا يمكننا أن نلمس تعاون البرازيل في عدم قطع غابات "الأمازون" بشكل متزايد لاستخدامها كمادة أولية في تصنيع الأطعمة أو استخدامها كمحروقات للتدفئة، ولا يمكننا أيضا أن نرى مبادرة من روسيا أو الهند في تخفيف نسب الكربون وثاني أوكسيد الكربون المنبعثة من مصانعها، وكذلك دول صناعية أخرى، علما أن الإحصاءات الدقيقة والصادرة من الأمم المتحدة تؤكد أن الصين وروسيا والهند والبرازيل تمثل 80 بالمئة من انبعاثات الغازات التي تزيد من الاحتباس الحراري في العالم.
لقد أخفقت قمة العشرين التي انعقدت في إيطاليا، والتي كانت تعد تمهيدا لقمة جلاسجو، وكان من المؤمل أن تصدر تعهدا بتصفير انبعاث الكربون حتى عام 2050، إلا أنها لم تعطِ هذا الوعد، واكتفت بأن العالم يمكن أن يصل إلى حيادية انبعاث الكربون حتى منتصف القرن الحالي، واختتمت قمة جلاسجو اجتماعاتها وأصدرت توصياتها بالتقليل من انبعاثات مادة الكربون ومواد أخرى تسهم في زيادة الاحتباس الحراري..، هل ستلتزم الدول الصناعية مثل الصين وروسيا ودول صناعية أخرى بقرارات وتوصيات قمة جلاسجو؟ رغم أن قمة جلاسجو تغيب فيها زعماء دول مثل روسيا والصين والبرازيل ودول أخرى عن الحضور إلى هذه القمة المهمة، وهذا مؤشر على عدم جدية تلك الدول في إنهاء أو تخفيف معدل الاحتباس الحراري العالمي والذي شهد خلال السنوات القليلة الماضية ارتفاعا كبير في درجات الحرارة من خلال انبعاث عناصر الكربون أو الميثانول (من مصانع الدول العظمى) واللذين يعدان العنصرين الأكثر شيوعا في زيادة الاحتباس الحراري العالمي.
ما يهمنا هنا نحن العرب، وخصوصا في الشرق الأوسط، هو أننا وبكل صراحة معتمدون على الدول العظمى في قرارات الاحتباس الحراري، ولم نشهد من الأقطار العربية "إلا ما رحم ربي" هذا الاهتمام، ولم نلاحظ إلا بعض الدول العربية التي تحرص على تطبيق الأسس الرصينة في تنفيذ القوانين البيئية داخل أقطارنا العربية، وكذلك نلاحظ أن دولا كثيرة من الوطن العربي لا تطبق أي أسس للحفاظ على البيئة، وكأننا في عالم آخر لم نكن ضمن دائرة العالم البيئي الذي يشكو من مشاكل كبيرة في تطبيق القوانين البيئية والتي تسببت في كارثة الاحتباس الحراري.
نعم، إن في أقطارنا العربية "أنظمة" كأنها في عالم آخر، ولا تقترب لا من قريب ولا من بعيد نحو القوانين البيئية في السيطرة على الانبعاثات الصناعية أو تلوث البيئة في تلك الأقطار، ويجدر بي الإشارة هنا لأشيد بجدية سلطنة عمان في تطبيق القوانين البيئية على جميع مفاصل الفعاليات الصناعية والنشاطات الإنتاجية؛ لما تملكه من شعور بالمسؤولية تجاه كيانها ووجودها من ناحية، ثم تجاه العالم بأسره. ولأنني كنت على تماس مباشر في هذا الجانب أثناء عملي في السلطنة للفترة ما بين (2008 وإلى 2011)، ولكوني متواصلا معهم لحد الآن فإنني أجد أن البرنامج البيئي المطبق في السلطنة مع (الحزم) والجدية في تطبيق القوانين البيئية في السلطنة، هو الأجدر في تطبيقه على مستوى الوطن العربي، بل مساعدة الدول التي تتحاشى التقييد بتطبيق الأسس الصحيحة في إدارة البيئة داخل أوطانهم على تنفيذ هذا البرنامج والذي سيساعد على إمكانية التخفيف من الاحتباس الحراري العالمي فيما إذا كانت الدول الصناعية العظمى جادة في دعم مسيرة التخلص من الاحتباس الحراري.
وعليه، فإنني أرى من المهم جدا أن يتم مساندة أي مشروع للتخلص من انبعاثات الغازات التي تزيد من التلوث البيئي في العالم مثل الكربون والميثان، وكذلك الإسراع بعقد قمة عربية أو شرق أوسطية تضم الوطن العربي والدول الإقليمية بإشراف الأمم المتحدة للتباحث في إمكانية الحد من العناصر التي تتسبب في زيادة الاحتباس الحراري في الشرق الأوسط على الأقل وتبني برنامج "توعية" شامل، وانبثاق لجان من هذا المؤتمر لمراقبة الدول الأكثر (جهلا) في تطبيق مبادئ القوانين البيئية ومساعدتها على النهوض بالواقع البيئي داخلها.
لا شك أن الوطن العربي يعاني من مشاكل بيئية كبيرة، وأهمها مشكلة التصحر التي انتشرت في أراضٍ واسعة في الوطن العربي نتيجة لشح الأمطار او نتيجة لقلة تدفق المياه في الأنهار الرئيسة للوطن العربي الناتجة من لبناء السدود من قبل الدول المصدر لتلك الأنهار أو من خلال تغيير مسارات الأنهر الصغيرة المغذية لتلك الأنهار مما سبب انخفاض معدل المياه فيها، ما أدى إلى ظهور مشكلة التصحر في الأراضي التي قلت فيها مياه تلك الأنهار أو انقطعت منها. وعلى كل حال فإننا في الوطن العربي نشهد تلك المشاكل البيئية التي نشأت من خلال الطبيعة أو من خلال مسببات أخرى وتضخمت ولم نتحرك بشكل فعلي للتخلص من تلك المسببات أو العمل الجاد في إيجاد الحلول المناسبة للتمكن من تجاوزها، والأهم عدم تطبيق القوانين والمبادئ البيئية في أغلب أقطارنا العربية، وهذا أيضا سيضاف إلى عوامل الاحتباس الحراري.
ولأن العالم متجه نحو الإصلاح البيئي، والسعي لتخفيف شدة انبعاث الغازات المسببة لهذا الاحتباس، ولأن العالم الآن يسعى لإيجاد الطرق الصحيحة لامتصاص تلك الغازات بواسطة تشجيع الزراعة وبناء السور الأخضر لحماية الأرض من غاز الكربون وغاز ثاني أوكسيد الكربون والغازات الأخرى، أرى من المناسب جدا أن يكون موضوع التصحر في الوطن العربي وقلة تدفق المياه في أنهاره موضوعا خصبا؛ لكي يطرح في الأمم المتحدة من ناحية البيئية أولا، ومن الناحية الأهم الاحتباس الحراري، وأعتقد أن الأمم المتحدة من خلال خبرائها سيجدون الحلول المناسبة لهذه المشكلة التي هي الأهم في الشرق الأوسط.