وليد الزبيدي:
يعزل نهر بعرض عدة أمتار إحدى المدارس التي يرتادها العشرات من الأطفال يوميا في القرية، هطلت الأمطار فانهار الجسر الطيني، وسارع بعض هواة النشر في وسائل التواصل الاجتماعي لالتقاط صور لأطفال يحاولون العبور إلى الضفة الأخرى بمساعدة الآباء والأمهات، وهم في طريقهم إلى المدرسة.
هذا ليس مدخلا لقصة قصيرة، إنما حقيقة شاهدها العراقيون على نطاق واسع خلال الأيام القليلة الماضية من خلال الصور المتداولة في قرية بمنطقة "بدرة" قرب الحدود العراقية الإيرانية، وتبعد عن العاصمة بغداد بحدود مائة وخمسين كيلومترا.
بعد عدة أيام تداول العراقيون صورة جديدة، فقد تم ترميم "الجسر" بطريقة بدائية جدا ومثيرة للضحك، إذ تم تثبيت قطعة مستطيلة من الصفيح الصدئ مع مساند حديدية لحماية الأطفال من السقوط وتعرضهم للأذى، وبدون شك قد حرم العديد من التلاميذ من حضور الحصص في المدرسة قبل عملية الترميم، إذ لا يمكن لهم عبور النهر الذي يبدو أنه بعمق قد يصل إلى ثلاثة أمتار.
بدون شك، أن ترميم الجسر قد ساعد في عبور التلاميذ، لكن تلك المعالجة دفعت بالكثيرين للتعليق والسخرية من ذلك، فقد صادف أن أعلنت وزارة النفط في العراق أن حصيلة صادرات النفط في هذا البلد خلال شهر أكتوبر الماضي قد وصلت إلى عشرة مليارات دولار، ويتوقع المختصون أن تصل واردات العراق من الصادرات النفطية لهذا العام المائة مليار دولار، وهذا مبلغ كبير ويمكن للحكومة أن تطلق حملة تنموية شاملة وفي جميع الميادين، لكن اليأس من بلوغ ذلك أو حتى الاقتراب من حافاته الدنيا كبير عند العراقيين، فقد تجاوزت واردات العراق النفطية والواردات الأخرى ألفي مليار دولار منذ العام الذي احتلت فيه الولايات الأميركية البلد في العام 2003، ولم يجد العراقيون أمامهم وفي حياتهم اليومية إلا الفوضى الأمنية والسرقات الهائلة التي توصف بأنها الأكبر والأضخم في العالم، يصاحب ذلك الغياب التام لأي مؤسسة تنموية في مختلف القطاعات، ولا يتوقف الناشطون والمهتمون عن نشر صور لمدارس من الطين وأخرى يفترش طلابها الأرض وثمة صورة لتلاميذ صغار يجلسون في العراء ويقف أمامهم المعلم المسكين.
ويقول الخبراء في الاقتصاد والنفط في العراق إن مجموع واردات العراق منذ ظهور النفط أواخر عشرينيات القرن الماضي حتى عام الاحتلال الأميركي 2003 كانت تلك الواردات 295 مليار دولار فقط، وتمكن العراق من القضاء على الأميَّة في البلاد بحلول العام 1990 وهذا ما أقرّته اليونسكو في حينها.
وبالعودة إلى "جسر العصر" في العراق فإن المرء ليشعر بالحزن والأسى على مستقبل أبناء العراق الذين يتعرضون لحرب شرسة تستهدف البنية المعرفية على نطاق واسع كما يتعرض البلد للنهب والتخريب في جميع الميادين.