استنفار تصفوي
إنه إلى جانب بادي الاندلاق التسووي الأوسلوي المتدثر بتغطية من أغلب النظام العربي الرسمي، فالمشهد العربي برمته لا يبشر بخير في مثل هذه المرحلة الأشد بلاءً وخطورةً في تاريخ الأمة. العراق يتمزق، وليبيا تتقطع، وسوريا تُذبح، واليمن ينزف، ومصر غرقى في لجة من أزماتها المستعصية الأخطر. ويزيد من كارثية المرحلة التي تعيشها هذه الأمة أن سموم رياح الفتن الطائفية الخبيثة تُنفث في أطنابها، وعليه، فلا أفضل منها مرحلةً مناسبةً لأعدائها للإجهاز على قضيتها المركزية في فلسطين، لا سيما وأن الأوسلويين في سبيلهم للتخلي عن ما تبقى لديهم من ورقة التوت، وفصائل المقاومة الفلسطينية تغفو أسيرةً لعجزها وإدمان قلة حولها القاتلة… لا يبشِّر بخير أن كافة أطراف التصفية هي راهنا تشهد حالة من الاستنفار التصفوي لاقتناص فرصتها السانحة، استنفار تعكسه استماتات في محاولة تحسين الشروط، وتفضحه التصريحات، إما المتناقضة بحساب، أو المتراوحة ما بين البالونات الاختبارية والتمويهية والاستهلاكية.
الاستنفار الصهيوني يتجلى في راهن الجدل والتراشق بشأن احتمالات وجوب التخلي عن بعض المستعمرات الهامشية حتى مع بقاء يهودها، أو قول تسيبي ليفني رئيسة وفدهم المفاوض مع الأوسلويين إن “معظم الإسرائيليين موجودون في الكتل (تعني المستعمرات الكبرى التي ستضم للكيان الغاصب)، وهم سيبقون في بيوتهم، بالنسبة للباقين (أي في المستعمرات الهامشية) سيتعين علينا أن ندير حوارًا” بشأنهم. وهو جدل وتراشق وصل لدرجة حدت بالوزير نفتالي بينيت، زعيم حزب “البيت اليهودي” للتحذير من “أن كل من يعتقد أنه يمكن لليهود العيش تحت سيادة أبو مازن يضعضع الأسس التي أقيمت عليها دولة إسرائيل ويضع علامة استفهام على وجودنا حتى في تل أبيب”!
أما عربيًّا، فتكفي الإشارة إلى ما يعم الأردن هذه الأيام من أحاديث التحضيرات لمرحلة ما بعد اتفاق إطار كيري والدور الأردني فيها، وصولًا إلى حسابات التعويضات، وحكايات التوطين، ونبش تليد الخيار الأردني، وكذا الاتحاد الكونفدرالي مع منتج كيري، فبينولكس بيريز الثلاثي الشهير، بل وهناك من الأنباء التي تواردت عن تشكيل إدارة في الديوان الملكي مهمتها ملف اللاجئين! وفلسطينيًّا، تكفي الإحالة إلى قول رئيس السلطة، إبان مشاركته عبر الفيديو في المؤتمر السنوي لـ”معهد الدراسات الأمنية” في تل أبيب، وكردٍّ منه على تشكيك ليعلون في نواياه السلمية، إن ما ستسفر عنه المفاوضات من حل “سيأتي لإسرائيل باعتراف 57 دولة عربية وإسلامية، اعتراف واضح وصريح وديبلوماسي بين هذه الدول وإسرائيل”. وفيما يتعلق بأمن الكيان، قال بأن قوات السلطة هي “مكرسة لأداء واجبها لمنع تهريب السلاح ومنع استخدامه … وإنه ليس سرًّا أن هذا يحدث بالتعاون الكامل مع أجهزة الأمن الإسرائيلية والأميركية”!!
… الأمة مغيَّبة، وقضيتها على مرمى حجر من التصفية، ورغم هول الوقع وفداحة معيقاته، فهل لنا سوى انتظار تلكم اللحظة التي سوف يقول فيها شعب الشهداء والانتفاضات المتلاحقة كلمته التي لم يقلها بعد؟؟!!