د. يوسف بن علي الملَّا:
عندما ترى من حولك القريب منك أو البعيد، في مجتمعك أو أي مكان آخر، بكل تأكيد سترى أنه لا أحد يريد أن يُنظر إليه على أنه كاذب. وبكل بساطة فالكذابون يعتبرون غير جديرين بالثقة في أحسن الأحوال وغير أخلاقيين في أسوأ الأحوال. ومع ذلك، نحن راضون تمامًا عن الكذب على أنفسنا طوال الوقت!
قد يقول الشخص لنفسه: أحب عملي؛ من يهتم بأني أشكو منه باستمرار؟ أو حتى ـ ومن المفارقات ـ أن تقول (أنا دائمًا صادق مع نفسي). ما أعنيه أنه وبشكل ما الجميع يخدع نفسه، لكن هذا لا يجعله غير مؤذٍ. فلو أخذنا المستويات المتقدمة لخداع النفس مثلا ستجدها مرتبطة بضعف الصحة العقلية. بينما عند المستويات المعتدلة، يمكن أن تحمي مخادع الذات مؤقتًا من المشاعر السيئة، لكنها لا تزال تشكل حاجزًا أمام الرفاهية العميقة التي تأتي من العيش بنزاهة. وحقيقة لكي نكون سعداء حقًّا، يجب أن نتعلم أن نكون صادقين تمامًا مع أنفسنا!
وهنا ربما نرى ذلك في واقعنا، حيث إنه في بعض الأحيان، ينخرط بعض الناس في خداع الذات لحماية غرورهم أو تجميع الشجاعة لنفسه. فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن التحدث إلى الجمهور هو موطن قوتك، فقد تحاول تعزيز شجاعتك قبل عرض تقديمي مخيف بالقول: أنا متحدث عام رائع! بينما إذا نظرنا إلى رجل الأعمال، فهو سيظل يقنع نفسه أن خطته المتشددة هي فكرة رائعة! وهذا ربما نفسه ذلك التزييف لتصنع شيئا للأبد، خصوصًا إذا كان نجاحك في العمل أو المدرسة ناتجًا عن الغش أو المعاملة التفضيلية ولكنك اخترت أن تعيد ذلك إلى استحقاقك الخاص... أوليس كذلك؟
وهنا يجب أن نعي نقطة في غاية الخطورة، ألا وهي أن هذه الأكاذيب الذاتية ستؤخر التغييرات التي نحتاج إلى إجرائها، وتحرض على أكاذيبنا للآخرين. بل وفعليا، خداع الذات هو أسلوب كلاسيكي من أساليب الإقناع المتلاعبة، فكلنا سمع عن المثل الذي يقول (إنها ليست كذبة إذا كنت تؤمن بها). وبالفعل، ألا ترى معي أنه عندما يتم تكليف الناس بعمل حجة معيَّنة، فإنهم يقاومون عمدًا سماع كلام آخر عكس ذلك. بعبارة أخرى، فإن البائع الذي يخبرك أن سيارة المرسيدس ـ مثلًا ـ التي تنظر إليها هي أفضل سيارة على الإطلاق... قد أقنع نفسه بذلك!
لذلك دعني أسألك: ماذا عن سعادتك طويلة الأمد؟ قد يكون العيش في شرنقة من الأكاذيب أمرًا مريحًا، لكنه يشبه تجربة النعيم في نهاية السيجارة: لن يقودك أبدًا إلى أعمق أنواع الرضا. والأجدى أن تؤمن أنه لا يمكن العثور على هذه القناعة إلا في النسخة الحقيقية من نفسك. فهذا الخداع الذاتي بالواقع مرتبط بعدم القدرة على رؤية عيوبنا، مما يجعل تحسين ذاتك أكثر صعوبة. فمثلًا رفضُك الاعتراف بأنك عصبي قليلًا، قد يجعلك تشعر بتحسن في الوقت الحالي، لكنه أيضًا سيثنيك عن بذل تلك الجهود للتغيير لصالح نفسك ومن حولك على المدى الطويل.
وبالتالي على كل منا أن يقرر: هل أريد الحقيقة الكاملة، بغض النظر عن المكان الذي تؤدي إليه؟ إذا كنت مستعدًّا لتجربتها، فإنني أنصحك أن تبدأ بأفعال صغيرة من التحدي ضد خداعك لذاتك حتى تشعر بها. فمثلًا، اسأل نفسك هذا السؤال: ما الذي يضحك الناس على الأرجح وراء ظهري؟ وقم بكتابة قائمة بنقاط ضعفك أو حركاتك الشخصية، وتخيل نفسك تضحك عليها أيضًا! وهنا ـ بلا شك ـ ستجد أن هذا التمرين قد خلق راحة من الاعتراف بشيء شعرت بالحاجة إلى إخفائه والثقة في نفسك الحقيقية وكل شيء.
بالنهاية، استمر بسؤال نفسك أسئلة كهذه: هل أفضل أن يضحك الناس من وراء ظهري أم معي؟ هل أريد حقًّا شيئًا لم أكتسبه؟ صحيح الطريق الصادق ليس سهلًا، لكن يمكنك التأكد يومًا بعد يوم من أنك ستفتخر بالقول إن الشخص الذي يظهر في المرآة غدا ليس كاذبًا، وستكون هذه هي الحقيقة!