محمد عبد الصادق:
زيارة الدولة التي بدأها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى الشقيقة قطر بدعوة كريمة من أخيه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تأتي تتويجا لمسيرة حافلة من العلاقات الاستراتيجية الراسخة بين البلدين الشقيقين، اللتين تجمعهما روابط العروبة والجيرة والدين، والتنسيق المستمر خصوصا فيما يتعلق بقضايا مجلس التعاون الخليجي، والملفات الإقليمية والدولية، وتطورت تلك العلاقات في عهد مؤسس عُمان الحديثة المغفور له جلالة السلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ وهو ما لمسناه عند فاجعة رحيله ـ من وقوف قطر مع عُمان قيادة وشعبا، وتوالي وصول الوفود الرسمية والشعبية القطرية إلى مسقط للتعزية في وفاة الراحل العظيم، وكان في مقدمة القادمين للسلطنة لتقديم العزاء الوفد القطري بقيادة أمير دولة قطر الشقيقة الذي أمر بإعلان الحداد ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام، كما كانت قطر أول المهنئين بتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في البلاد.
والعلاقات بين الشعبين الخليجيين قديمة، وازدادت عمقا مع انطلاق النهضة المباركة في عُمان في العام 1970 واستقلال دولة قطر وبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بتعيين أول سفير لدولة قطر لدى سلطنة عمان في العام 1973م أعقبه إرسال السلطنة أول سفير إلى الدوحة في العام 1974، وطوال هذه السنين تميزت العلاقة بين الدولتين الشقيقتين بالاحترام المتبادل والتنسيق في المواقف والتشابه في الرؤى، والسعي ليسود السلام والاستقرار والتعاون بين كافة دول المنطقة، ونبذ الصراعات والحروب واللجوء للدبلوماسية والحوار لحل الخلافات بهدوء، ومساندة الشعوب المظلومة ومساعدتها في تقرير مصيرها وعودة الحقوق لأصحابها بالطرق السلمية.
وتخطت العلاقات بين البلدين الجانب السياسي، إلى كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والرياضية، فجمعت البلدين علاقات في مجال التعليم، حيث استعانت السلطنة بالمناهج القطرية في بواكير سني النهضة، كما قدمت قطر بعثات تعليمية للشباب العماني في المدارس والجامعات القطرية، في حين استعانت قطر بالكوادر العمانية للعمل في المؤسسات الحكومية، وخصوصا المعلمين للعمل بالتدريس، وفي المجال الرياضي استفاد كثير من الرياضيين العمانيين من المنشآت الرياضية والطبية المتقدمة في قطر، في التدريب والتأهيل الرياضي، والعلاج من الإصابات وإجراء الجراحات الدقيقة مستفيدين من الأجهزة الحديثة والكوادر الطبية الماهرة التي وفرتها دولة قطر لخدمة الرياضة، والتي يقصدها أشهر الرياضيين من كافة دول العالم.
أما عن التعاون الاقتصادي فقد تضاعف حجمه في السنوات الأخيرة، وأصبحت السلطنة الوجهة الأولى للصادرات القطرية غير النفطية، وارتفعت الصادرات العمانية غير النفطية إلى قطر في العام 2017 بنسبة 144%، وهناك أكثر من 500 شركة عمانية قطرية مشتركة تعمل في البلدين، وتنامى حجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين بشكل ملحوظ بعد مذكرة التفاهم التي وقعها البلدان في يناير 2018م وارتفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 1.04 مليار ريال عماني، وأصبحت عُمان من أكبر الشركاء التجاريين لدولة قطر.
وجاء مشروع إنتاج أول حافلة تحمل عبارة "صنع في عمان" بشراكة قطرية، تتويجا لهذا التعاون ومؤخرا شاهدنا باكورة إنتاج مصنع "كروة موتورز" الكائن بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وتخطط الشركة التي يبلغ حصة قطر فيها 70% والسلطنة 30% لإنتاج أكثر من 200 حافلة من حافلات المدارس المتطورة خلال العام الجاري، وستنتج لاحقا حافلات المدينة وخطوط المواصلات الطويلة، وستكون الأولوية لتلبية احتياجات البلدين وتصدير الفائض للدول العربية والإفريقية، والطاقة الإنتاجية للمصنع في المرحلة الأولى 500 حافلة سنويا ترتفع لاحقا إلى ألف، واستفاد من المشروع صناعات مغذية عديدة وصل عددها إلى 40 محطة داخلية لتشكيل الهياكل وتجميع الأجزاء وأعمال الصبغ وفحص الجودة، وسيسهم المشروع في تنشيط الحركة الاقتصادية بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي تعول عليها السلطنة كثيرا في تنويع مصادر الدخل، وتوفير فرص عمل للشباب العماني الداخلين لسوق العمل خلال السنوات القادمة.