د. محمد بن حمد الشعيلي:
لطالما جمعت دول الخليج العربي روابط خاصة يغلب عليها التاريخ المشترك بين قياداتها وشعوبها، وما ترتب عليه من حسن الجوار وعلاقات سياسية بنَّاءة، وتعاون اقتصادي مثمر، وتداخلات اجتماعية وثقافية ملموسة، والإحساس بالمسؤولية المشتركة تجاه أمن واستقرار المنطقة، بما يحقق وحدتها وتوثيق الروابط بين شعوبها.
ومنذ الأيام الأولى للنهضة العُمانية المباركة، كان موضوع إقامة شبكة من العلاقات الدولية مع مختلف الأطراف خصوصا الخليجية منها من أهم أولويات السلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ سعيا منه نحو إخراج عُمان من العزلة التي كانت تحيط بها، كما حرصت عُمان في الوقت نفسه على أن تكون في مقدمة رعاة السلم والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، والاحتفاظ بخط واحد في علاقاتها مع دول المنطقة، إدراكا لمسؤوليتها الكبيرة في هذا الجانب، فكان التعاون والاحترام المتبادل حاضرا في علاقاتها مع جميع الأطراف الخليجية، حتى ما قبل تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981م، والذي كانت عُمان مساهما رئيسا في قيامه، بفضل الجهود التي بذلت من قبل المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد مع بقية إخوانه قادة المنطقة رحمهم الله، والتي أسفرت في النهاية عن تحقيق هذا الكيان الذي كان معززا للعلاقات بين دول المنطقة وداعما حقيقيا لشعوبها في معظم فترات تاريخه.
وقد احتفظت العلاقات العُمانية القطرية منذ نشأتها بخصوصية واضحة، وبطابع مميز من العلاقات على المستويين الرسمي والشعبي، انعكست في التقارب الكبير بين البلدين في مختلف الجوانب، خصوصا السياسية والاجتماعية منها، وطوال أكثر من 50 عاما كان التقارب حاضرا بين القيادتين، وكانت المباحثات بين الطرفين وتبادل وجهات النظر حاضرة على الدوام فيما يخص أوضاع منطقة الخليج العربي ومستقبلها، ولم تنقطع الزيارات بين مسقط والدوحة والتواصل بينهما من أجل العمل على إرساء الاستقرار في المنطقة والدفع بها نحو آفاق أعلى بما يحقق طموحات شعوبها، وتحقيقا للأهداف التي أنشأ من أجلها مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ولعلَّ من القواسم التاريخية المشتركة بين الدولتين الشقيقتين، هو أن كلتيهما تشاركتا بداية النهضة ومسيرة التنمية في بداية السبعينيات من القرن الماضي، لذلك كانت الظروف متشابهة في الأوضاع السائدة فيهما، فحرص كل طرف على دعم الآخر بما توافر له من إمكانات، وكان قرار تبادل السفراء بين الدولتين في عامي 1973 و1974م نقطة تحوُّل كبيرة في مسيرة التعاون المشترك، والتداخل الكبير بين عُمان وقطر على مستوى القيادتين والشعبين، فأخذت العلاقات في نمو متصاعد، ونشأت علاقات استراتيجية بين الدولتين أقل ما نصفها بالنموذجية. هذه العلاقات حافظت على جودتها وأصالتها، رغم ما اعترى منطقة الخليج في الفترة الأخيرة من ظروف صعبة وتحديات كبيرة يعلمها الجميع، كانت قطر طرفا رئيسا فيها، والتي ترتب عليها تصدع كبير في البيت الخليجي، ولكن الحوار وتغليب منطق الحكمة انتصر في النهاية، لتحاول دول المنطقة جاهدة تجاوز ما حدث في السنوات الأخيرة.
وفي خضم ذلك احتفظت عُمان بعلاقاتها المميزة مع الجانب القطري، في ترجمة حقيقية لدبلوماسيتها المعهودة والمتمثلة دائما في حسن الجوار، والسعي نحو تقريب وجهات النظر بين الخصوم، والمساعدة في إيجاد الأجواء الإيجابية والمناسبة نحو سعيها الدؤوب في الوصول إلى تسوية حقيقية بين مختلف الأطراف بما يحافظ على أمن ومستقبل المنطقة واستقرار أوضاعها، وعدم إتاحة الفرصة لكل من شأنه تفاقم الأوضاع فيها وتحميل شعوبها مسؤولية الخلافات السياسية، وهي مبادئ في الحقيقة تتشارك فيها عُمان وقطر حيث كان التشابه حاضرا في سياسات البلدين، ولذلك كان التشاور حاضرا بينهما على الدوام. ونستطيع القول ـ بكل ثقة ـ بأن العلاقات بين مسقط والدوحة تعد من العلاقات الدولية والإقليمية التي يحتذى بهافي العلاقات الناجحة بين الدول الشقيقة والصديقة.
وتأتي هذه الزيارة التي يقوم بها جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى الدوحة ولقاؤه بأخيه سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، تجسيدا لروح الأخوة والنهج القائم بين القيادتين، وترجمة حقيقية لما ورد في خطاب جلالته الأول في الحادي عشر من يناير 2020م، عندما ذكر ـ أعزه الله:
"وسنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا، ولدفع منجزات مجلس التعاون قدما إلى الأمام".
وبالتالي فمن المؤكد أن هذه الزيارة الكريمة وما تتضمنه من مباحثات بين العاهلين الكبيرين، يعوَّل عليها الكثير في تحقيق ذلك بما يخدم تطلعات هذه المنطقة الحيوية من العالم بشكل عام، وتبادل وجهات النظر بين القيادتين في القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وأيضا الدفع بالعلاقات العُمانية القطرية نحو آفاق أرحب، ومزيد من التعاون المشترك بما يحقق الخير للشعبين الشقيقين تعكس قوة العلاقات القائمة، وسبل تعزيزها واستمرارية متانتها بين الحين والآخر.
حفظ الله السلطان هيثم بن طارق في حله وترحاله، وسدد على الخير خطاه، ووفقه في هذه الزيارة التاريخية لما فيه خير عُمان وخير المنطقة.

عضو مجلس الدولة