ناصر بن سالم اليحمدي:
تميز إرثنا العُماني عبر تاريخه الطويل بتنوع روافده الزاخرة بالإبداعات التي تشكل تلاحما ثقافيا بين الماضي والحاضر، وتجمع بين الأصالة والمعاصرة، واكتسابها طابعا مميزا رغم انفتاحها على الآخر الذي أسهم في إثرائها عبر الالتقاء والنقاش والنقد البناء حول التجارب المختلفة، إلا أن ذلك لم يتمكن من محو هُويتها المميزة نتيجة تمسك العُمانيين بإرثهم الفكري والثقافي.. وقد شهدت الساحة العُمانية عبر المسيرة المباركة حراكا نهضويا ملحوظا في جميع المجالات يجسد ذلك الإبداعات والابتكارات التي فرضت نفسها على الساحة المحلية والإقليمية، بل والدولية فصدحت في سماء الإبداع أسماء مخضرمة ومواهب شابة حجزت مكانا للمبدع العُماني في مصاف الدول المشهود لها بالتطور.
ولقد حرصت السلطنة على أن تمتد فعالياتها المختلفة خارج حدود الوطن فنراها تشارك في المؤتمرات والمعارض الدولية إلى جانب تنظيم فعاليات تتواصل من خلالها النخبة العُمانية مع مثيلاتها العالمية، وهو ما يوسع من دائرة التعاون فيما بينها، وفي ذات الوقت العمل على إثراء الساحة العُمانية بالجديد على الساحة العالمية.. ومن الفعاليات التي شهدتها السلطنة مؤخرا اشتراكها في معرض "إكسبو دبي 2020" الذي يعد أكبر تجمع دولي يضم جميع دول العالم لتقدم كل منها ثقافتها ومفرداتها الحضارية.
ومما يشهد له في جناح السلطنة هو طريقة العرض والابتكار الذي يجسد إبداع الشباب العُماني فرغم أنه تم تصميم الجناح بحيث تدور قصة العرض حول شجرة اللبان، إلا أن مفردات الثقافة العُمانية كافة كانت حاضرة وبقوة وعكست التراث العُماني الأصيل وكنوزه الثرية بالمعرفة إلى جانب مسيرة التواصل الحضاري وكيفية مواكبتها للحاضر والمستقبل.
والأجمل أن احتفال السلطنة بمناسبة العيد الوطني الحادي والخمسين في المعرض الذي أقيم تحت رعاية صاحب السمو السيد أسعد بن طارق بن تيمور نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان تحوَّل من مجرد احتفال بمناسبة محلية إلى آخر عالمي شهده حشد كبير من دول العالم، فكان يوما استثنائيا من أيام المعرض ككل وليس الجناح العُماني فقط الذي شهد عددا كبيرا غير مسبوق من الزائرين الذين انبهروا بالمفردات العُمانية المتنوعة التي تبعث برسائل قيمة أهمها أن تحوُّل عالمنا المعاصر لقرية كونية صغيرة وانفتاحه على بعضه البعض يحتم على جميع الثقافات التلاقي على أساس من الاحترام المتبادل والاعتراف بالتقاليد والخصوصية التي تميز كل شعب عن الآخر بما يسهم في نشر روح التسامح، وتعزيز التعايش بين الشعوب، وتحقيق الأمن والسلام العالمي.
اللافت للنظر أن إسهامات الشباب وإبداعاتهم ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة، وهو ما يجسد اهتمام القيادة الحكيمة بهذه الفئة من صناع المستقبل. فعلى سبيل المثال، الجناح العُماني في معرض "إكسبو دبي 2020" تم تنظيمه وإدارته وتطوير محتواه بأيدي الشباب العُماني، وكذلك شعار العيد الوطني الحادي والخمسين هذا العام كان ابتكارا مدهشا من المصممة سارة المخينية.. وأيضا معظم مظاهر الاحتفال بالعيد الوطني كانت مختلفة هذا العام؛ لأنها حملت الكثير من أفكار وإبداعات الشباب.. وغير ذلك الكثير.
نحمد الله أن بلادنا تمتلك عقولا موهوبة مبدعة، والتي نتمنى أن تأخذنا نحو التقدم والمنافسة في مجال الابتكار على كافة الأصعدة.. وكما أننا نفخر بآبائنا الأوائل الذين سجل التاريخ أسماءهم بأحرف من نور بما قدموه للبشرية من مساهمات عظيمة.. فإننا كذلك نفخر بأبنائنا الذين وضعوا بلادهم في مصاف الدول المتقدمة المبتكرة، فلا يكاد تمر أيام قليلة إلا واسم موهبة عُمانية جديدة ينطلق في سماء التفوق والتميز على المستوى الإقليمي والدولي، ونحن بدورنا نتمنى لهؤلاء تحقيق المزيد والمزيد من النجاح، فعليهم نعوِّل الآمال أن يحجز وطننا الغالي مكانه في صفوف الرواد.
لا شك أن المواهب ثروة يجب الحفاظ عليها وتنميتها وتشجيعها والوقوف بجانبها.. وهذا ما نتمناه من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة أن تقوم برعاية المواهب الشابة، وأن تتبنى إبداعاتهم وابتكاراتهم حتى تصل إلى المكانة اللائقة بها.. فلماذا لا يتم استحداث هيئة كبيرة تكون مهمتها رعاية المبتكرين والمبدعين في جميع المجالات بحيث تتألف من خبراء في كافة المجالات فيتم تقييم كل موهبة وفقا للمجال الذي تبدع فيه؟ فهذا ـ بلا شك ـ سوف يسهم في تحفيز الشباب على تنمية إبداعاتهم واكتشاف مواهبهم وتكوين العقلية المبتكرة.. فهؤلاء أمل المستقبل في أن تتبوأ بلادنا مكانة مرموقة في المجتمع الدولي وبإسهاماتهم سوف ترفع رايتنا عالية خفاقة.
تحية للعباقرة من أبناء عُمان.. وتحية للقائمين على جناح السلطنة في "إكسبو دبي 2020" الذين نجحوا في أن يكون خير سفير يروج للسلطنة وما تتضمنه من حضارة وتراث عريق.. فقد استطاعوا أن يجعلوا منه معرضا دوليا بصبغة ونكهة عُمانية أصيلة.
* * *
احتفل العالم منذ ساعات باليوم العالمي لحقوق الطفل.. ولو نظرنا إلى ديننا الحنيف نجد أن حقوق الطفل في الإسلام مصدرها إلهي، فهي ليست منحة أو هبة من أحد أو قرار صادر من سلطة محلية أو دولية أو منظمة عالمية، وإنما هي شريعة الله سبحانه وتعالى، فهي دائمة الإلزام للحاكم والمحكوم على السواء، فلا تقبل خرقا ولا تعطيلا وذلك بعكس المواثيق الدولية التي تخضع لتوجيهات الدول والموارد والقيم الاجتماعية الخاصة بها، فالحفاظ على حقوق الطفل واجب على الوالدين بدءا من اختيار الزوجين مرورا بحق الرضاعة والتربية والتأديب والحضانة والتعليم والمصادقة وحقوقه المالية وغيرها، وانتهاء ببلوغه سن الرشد الذي يعد فيه الإنسان كامل الرجولة أو الأنوثة.
وفي وطننا الحبيب فإن حقوق الطفل مصانة فحرصت الدولة على توفير الأمن والأمان والرفاهية له ولأسرته دون تمييز، بالإضافة إلى التعليم بأحدث الوسائل والمناهج والرعاية الصحية الشاملة حتى يكبر ثم الحصول على الوظيفة المناسبة لمؤهلاته بعد التخرج والتي تحقق له العيش الكريم وتجعله عضوا فعالا في مسيرة التنمية.
إن الجوانب المضيئة في مجال حقوق الطفل واضحة ساطعة كالشمس ومن يُرِد الاطلاع عليها فلْيَزُر السلطنة ساعتها سيرى ما يتمتع به الطفل في ظل العهد الزاهر من رفاهية العيش والاطمئنان وراحة البال والتي تعد أغلى ما يمكن أن يحصل عليه الإنسان.