د. سعدون بن حسين الحمداني:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور القطبين (القطب الشيوعي والقطب الرأسمالي) إبّان القرن الماضي واستمرار آثاره إلى يومنا، ظهرت لنا صورة جديدة للعمل الأيديولوجي الإعلامي، حيث برزت لنا حقائق منها ضرورة اعتماد السياسة الخارجية على ثلاثة محاور: (إعداد السياسة الخارجية استنادًا إلى القطبين، صنع القرار السياسي استنادًا إلى المصالح المتبادلة، عملية تنفيذ القرار السياسي)، وبما أن الإعلام الدبلوماسي هو إحدى أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، بل الاعتماد عليه لتنفيذ أهداف السياسة الخارجية والداخلية، ومن هذا المدخل نجد أن الإعلام القديم كان يتحمل الجزء الأكبر من التغييرات الدولية، بعدها تعرضت الأسرة الدولية إلى عاصفة من التكنولوجيا الحديثة في أواخر القرن الماضي جعلت من الكرة الأرضية بجميع مسمياتها وأجناسها ليست قرية صغيرة فحسب، وإنما بيت صغير بابه الرئيسي وسائل التواصل الاجتماعي.
السؤال الآن: هل تأثرت الدبلوماسية وإعلامها والتي تعد من أهم مقومات السياسة الخارجية للدولة بوسائل التواصل الاجتماعي (إنستجرام، تويتر، فيس بوك.. وغيرها).
من الملاحظ بأن الناس في مجتمعات الدول الغربية يصدقون أغلب ما يقال في وسائل التواصل الاجتماعي على عكس العرب، فهم حذرون من أي معلومة تأتيهم منها، وأن التحوُّلات التي تجري في الإعلام الآن ألغت كثيرًا من مفردات الحياة اليومية، ففي القرن الماضي كانت العائلة على مختلف مستوياتها ليست لديهم غير التلفاز أو المذياع، وفي بعض الأحيان الصحف المقروءة وهي سيادية تصدر من وزارة معيَّنة، أما الآن فالمواطن هو المصدر الرئيسي للخبر من خلال أجهزة الهاتف، سواء تصوير، تحرير خبر، نشر موقف، نشر حادثة مما كان مصداقية الخبر دون الرجوع إلى موافقات رسمية وبالتالي، فالمواطن الآن هو وكالة أنباء، بل مؤسسة أخبار متنقلة ينقل الحدث بكل أنواعه وينتشر إلى جميع المتابعين ضمن وسائل التواصل الاجتماعي.
الإعلام والدبلوماسية توأمان متلازمان يستحيل فصلهما، ويعرف الإعلام بصورة عامة بأنه لسان السياسة الناطق وأداتها المؤثرة في جميع شرائح المجتمع، بل وتتعدى الحدود الداخلية لتصبح إقليمية ودولية استنادًا لقوة الحدث ونوعه، وبالتالي فإن الإعلام والدبلوماسية لهما تأثير مباشر على الرأي العام الداخلي والخارجي.
والإعلام العربي بصورة خاصة هو علام موجَّه من قِبل السلطة السياسية لخدمة بقائها في السلطة، بينما الإعلام الغربي الرأسمالي موجَّه سياسيًّا لخدمة مصالحهم الاقتصادية أولًا واستراتيجيتهم ثانيًا، حيث تتوشح الدبلوماسية دائمًا بثوب الصحافة لإخفاء المعالم السياسية التي بداخلها.
الإعلام الدبلوماسي الحديث، الذي اعتمد بصورة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح للوزارة الخارجية في أغلب دول العالم موقع خاص بها للتعبير عن رأيها الرسمي الصادق بأسرع ما يكون لأي حدث محدود المعالم، ولا يتجاوز التفاصيل أو مراسم البروتوكولات الدولية ومثال ذلك: رسالة تنديد بعمل إهابي، تعزية بسبب حالات طبيعية إعصار، فيضانات، بركان، حوادث قطارات.. وغيرها من الأمور التي لا تمس سيادة الدولة وبروتوكولاتها الرسمية.
الإعلام الدبلوماسي الحديث هو الناطق الرسمي للدولة عن طريق وزارة خارجيتها والذي يتميز بالسرعة والمصداقية، وبالتالي يتطلب كادرًا محنكًا متمرسًا؛ لكونه يعكس حقل السياسة الخارجية والدولية بين طرفين والتأثير الذي يمثله من خلال مهارات الاتصال والتواصل والتخاطب؛ لأنه يمثل الجهة الرسمية المعتمدة مع الاحتفاظ بالخصوصية الوطنية، والتعبير عن أهدافها ومصالحها وحضورها وتطويرها، وأن الإعلام الدبلوماسي الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف تفرعاته واجبه الرئيسي هو إيجاد جسور تواصل بين الجميع تستند إلى الحقائق الثابتة والصادقة بعيدًا عن التزييف والمراوغة، وإيصال المعلومة بأسرع ما يكون؛ لأن ذلك يدلل على الاحترافية المهنية والحنكة الدبلوماسية الإعلامية.
على الكادر الدبلوماسي أن يضع في حساباته أننا نحن الآن ليس في زمن الحمام الزاجل، وإنما نحن في عاصفة من التطورات التكنولوجية والتقنيات الإعلامية الحديثة المتلاحقة وظهور أشكال غير تقليدية لوسائل التواصل الاجتماعي من خلال الصحف الإلكترونية والإنترنت وعلم النانو للحصول على المعلومة؛ لذلك على الإعلام الدبلوماسي الحديث أن يستغل الإيجابيات من وسائل التواصل الاجتماعي وهي سرعة إيصال الخبر مستندًا إلى وقائع ملموسة مثل: هبوط أسعار البورصة أو أرقام اقتصادية تضليلية.. وغيرها من الأحداث التي تثير من مشاعر المواطنين.
يُعد الإعلام الدبلوماسي الحديث بصورة خاصة، والحكومي أو الرسمي بصورة عامة من أهم مقومات نجاح وتفوق الدولة على مختلف مسمياتها هو هدف استراتيجي يرسم من قِبل هرم الدولة لغرض دعم مصداقية الاستراتيجية التي تم تحديد أهدافها بعيدًا عن التكتيك لغرض معيَّن.
وبالتالي أصبح الإعلام الدبلوماسي الحديث، المعيار الحقيقي لثقل وهُوية الدولة في قضايا التنمية والاقتصاد، السياحة، التعليم، الصحة.. وغيرها؛ لغرض إيصال المعلومة بأسرع ما يكون، سواء من الصحف المقروءة أو المسموعة، وعلى سبيل المثال: نشرت وزارة الصحة على حسابها الرسمي بـ"تويتر" معلومات جديدة بخصوص الجرعة المنشطة للقاح (كوفيد ـ 19)، انتشرت بسرعة البرق بعيدًا عن سماع الخبر في وسائل التلفاز أو الانتظار إلى اليوم التالي لقراءة الخبر في الصحف.
وفي الختام فإن أبرز إيجابيات وسائل التواصل هي: حرية التعبير، تعزيز التواصل مع الآخرين، تعزيز التعاطف والمساعدة، نشر المعرفة، معرفة أخبار العالم على مختلف أنواعها، سهولة التسويق والترويج لأي خبر مهما كان ونوعه، ولا ننسى أيضا أن هناك سلبيات كثيرة، ولكن ليس محل نقاشه والتطرق له في هذا المقال.