عندما تبنت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسسكو) برنامج (عاصمة الثقافة الإسلامية) ـ التي تسند سنويا إلى ثلاث مدن إسلامية عريقة من العالم العربي وأفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى العاصمة التي تستضيف المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة الذي ينعقد كل عامين ـ حددت (المنظمة) أهداف برنامجها في نشر الثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن التي تختار كعواصم ثقافية إسلامية بالنظر لما قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية، وتقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع، من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة، وتعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بينها.
وقد اعتمدت (الإيسسكو) في اختيار هذه العواصم حزمة من المعايير طبقتها بدقة وهي: أن تكون المدينة المرشحة ذات عراقة تاريخية مدونة وصيت علمي واسع تبوأت من خلالهما مكانة ثقافية بارزة في بلدها، وأن تكون لها مساهمة متميزة في الثقافة الإسلامية والإنسانية من خلال الأعمال العلمية والثقافية والأدبية لعلمائها وأدبائها ومثقفيها، وتوافر مراكز للبحث العلمي ومكتبات للمخطوطات ومراكز أثرية تعليمية، تجعل منها قبلة للباحثين والمهتمين في مجالات العلوم والثقافة والمعرفة، ومؤسسات ثقافية فاعلة في مجال تنشيط الحياة الثقافية للأفراد والمجموعات وتنظيم المهرجانات والمواسم الثقافية ومعارض الكتب والرسم وأعمال الترجمة والنشر.
وبالنظر إلى المعايير التي وضعتها المنظمة (وأعلنتها على موقعها على الشبكة العنكبوتية) واختيار (نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية 2015) يتأكد لدينا ـ وللوهلة الأولى ـ أن من وضع هذه المعايير، كانت (مدينة نزوى) ماثلة أمامه (معيارا أساسيا) لاختيار عواصم الثقافة الإسلامية.
فمن ناحية العراقة التاريخية والمكانة الثقافية البارزة، فـ(نزوى) من أعرق المدن العمانية تاريخا وحضارة، بمعالمها التاريخية والأثرية، بشهادة قلعتها وحصونها وحاراتها وبيوتها الأثرية.
وأما عن مساهمتها المتميزة في الثقافة الإسلامية والإنسانية من خلال الأعمال العلمية والثقافية والأدبية لعلمائها وأدبائها ومثقفيها، فيكفي ما حكى عنها التاريخ، حيث تعتبر من أهم مراكز العلم والعلماء على مر عصوره، وقد خرجت جوامعها ومساجدها ـ التي تعتبر منارات فكر ـ أفواجا من العلماء والمفكرين والأدباء والفقهاء والقضاة، حيث تفجرت طاقاتهم الفكرية والإبداعية والثقافية والأدبية والفقهية بين جدران مساجدها التاريخية، الشواذنة، وسعال، والجناة، والشرجة، والمزارعة، والشجبـي، والنصر، والأئمة، والشروق، وغلافقا، وابن الروح، ومخلد، وابن الهنقري، والحسن، وابن أبي رمضان، وجامع نزوى. وقد أسهم هؤلاء العلماء بشكل مؤثر في حركتها العلمية، منذ بواكير الإسلام.
وبمزيد من الفخر نذكر على سبيل المثال من شرفوا بالانتساب إلى نزوى، وشرفت نزوى بانضوائهم تحت لوائها، الإمام جابر بن زيد، والشيخ العلامة البشير بن المنذر العقري النزوى، والشيخ محمد بن إبراهيم الكندي (صاحب بيان الشرع).
بعد كل ما ذكرناه لابد وأن نكون على يقين بأحقية (نزوى) في أن تكون (هي المعيار الأساسي) لاختيار (عواصم الثقافة الإسلامية)، لا أن تكون فقط مجرد عاصمة للثقافة الإسلامية.
وبعد أن وصلنا إلى هذه القناعة، والمكانة التي تبوأتها (نزوى) بفعل (التاريخ والأولين من أولى العزم) فماذا نحن فاعلون في قادم الأيام ؟! هل نكتفي بتراثها الثقافي والفكري، أم نجدد شبابها بمراكز البحث العلمي والمراكز الأثرية التعليمية، لنجعل منها حقا (وجهة للباحثين والمهتمين في مجالات العلوم والثقافة والمعرفة) فننظم لها المهرجانات والمواسم الثقافية وما يليق بها من معارض الكتب والرسم وأعمال الترجمة والنشر.
أعلم أن وزارة التراث والثقافة اعتمدت برنامجا للاحتفاء بـ(نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية 2015) وأن من بين تفاصيل هذا البرنامج، أنها خصصت لنزوى كل الاحتفالات الثقافية والفكرية التي اعتادت على إقامتها وتنظيمها على مدار العام، وإن كنا في كثير من المناسبات الثقافية والفنية والإبداعية نركن إلى عامل الوقت؛ كي ينقذنا من أي حرج أمام المتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي، فأنا أذكِّر كل الأطراف المعنية بالاحتفاء بـ(نزوى) أننا لازلنا في الأسبوع الأول من الشهر الأول من عام (2015) ونملك الوقت لمراجعة كل ما أعد للاحتفاء بها، وقد رأينا كيف احتفى الآخرون بعواصمهم، فهل أعددنا لـ(نزوى) احتفاء يليق بمكانتها ؟! سؤال ينتظر إجابة على مدار العام.

إيهاب مباشر