عادل سعد:
أن يحظى الاقتصاد العماني بالمزيد من القراءات الموضوعية والمنصفة، فلأنه يستحق هذا الإنصاف حقًّا بما عُرف عنه من مثابرة على التعاطي بثقة وشفافية مع الصعوبات التي تواجهه بين الحين والآخر على خلفية ضغوط أغلبها قاسية، لكنه استطاع مواجهتها وتفكيكها بما لدى القائمين على إدارته من قدرة توافرت جراء تراكم خبرة منذ انطلاق أول خطة تنموية خمسية تطبيقية للتنمية عام 1970 رائدها التنمية البشرية المستدامة، والإضافات النوعية التي تحققت للخطط التنموية اللاحقة، علمًا أنها جميعًا لم تسلم من معوقات بعضها كان شديدًا.
لقد أتيح لي أن أطلع على بيان لصندوق النقد الدولي أصدره بمضمون تشخيصي وتقييمي عن حركة هذا الاقتصاد للعام الحالي 2021 وآفاق صموده في تحقيق تعافٍ وازن تأسيسًا على معطيات ميدانية لا شكوك بصددها.
بيان الصندوق جاء خلاصة دراسة ميدانية لبعثة مشاورات لخبراء منه بموجب المادة الرابعة من اتفاقية تأسيسه التي تنص على إجراءات تقييمية دورية، أما المناسبة هذه المرة فهي تأثيرات جائحة كورونا وتداعيات انخفاض أسعار النفط، وما لحق الاقتصاد العماني من أضرار بسببهما.
لقد تحرى فريق الخبراء الحال وخلصَ إلى مجموعة مؤشرات استنتاجية إيجابية مفادها أن ما تعرض له هذا الاقتصاد ليس قليلًا، معددًا بالوقائع الركود الجزئي والجهود المحسوبة التي بذلت من أجل معالجة المضاعفات المرضية مع تهيئة المزيد من الطاقات للحدِّ من انتشاره المدمر واحتواء الآثار بما يملك من حوكمة مالية ميزتها الواضحة كفاءة الأداء لمواجهة المخاطر والتصرف بالمزيد من الشفافية والتموضع المرن المرتكز إلى خبرة هي نتاج معايشة وتبصر.
لقد تطرق الخبراء على الآليات المعتمدة لوضع الدَّين العام على مسار تنازلي، والإشارة إلى ما يتمتع به القطاع المصرفي من مستوى جيد من الرسملة والسيولة وفق منهج حذر للبنك المركزي العماني، كما تطرق الخبراء إلى هوامش الأمان القوية المتوافرة التي تحكم سير العملية التنموية العامة مع مواظبة متواصلة على تحقيق الإصلاحات الهيكلية لإيجاد وظائف وتعزيز كفاءة إدارة الموارد العامة وجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة، وتوخِّي سياسة ضريبية تقوم على بعض الإعفاءات وتسهيلات في التسديد للمؤسسات المشمولة من دون تحميلها أية رسوم إضافية بموجب آليات التأجيل، الوضع الذي يَسّرَ لتلك المؤسسات الخاصة آليات تسديد غير محرجة.
إن واقع تعافي الاقتصاد العماني أصبح حقيقةً، وبمؤشرات واضحة وهناك مقاسات ميدانية متوافرة لا خشية عليها إذا أخذنا بعين الميدان وجود مرونة وشفافية وقدرة للمداورة المالية تعطي أرجحية للاستمرار في آليات تقليص عجز الموازنة ضمن انتظاراتٍ زمنية مضمونةٍ وليست سائبةً مع فتح أسواق والتأسيس لغرف تنموية إضافية لمعالجة المؤسسات الأكثر تضررًا.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اعتمدت سياسة عدم المس بأية حقوق معاشية للمواطنين العمانيين، وبالأخص الشرائح ذات الدخل المحدود، أو التي تستفيد من الإعانات الاجتماعية، إذ حافظت الجهات الحكومية المعنية بهذه المسؤولية على السياقات المعمول بها، ولذلك لم تطرأ أية مؤشرات سلبية قاسية على الوضع المعيشي العام للمواطنين العمانيين إلا بمعدلات ضئيلة جدًّا لم تترك آثارًا كبيرةً عليهم قياسًا بما حصل من أضرارٍ جسيمةٍ لشعوب أخرى خلال السنتين الماضيتين رغم حجم فائض القدرة الاقتصادية التي تمتلكها وتنوع اقتصاداتها، لكنها تعرضت لانكشافات دفعتها إلى انتهاج سياسات طوارئ متنوعة.
استنتاجًا من كل ذلك يظل الاقتصاد العماني والبيئة الاجتماعية في منأى حتمي من أية تداعيات خارج التغطية.