جودة مرسي:
ينعكس ارتفاع أسعار النفط بشكل أو بآخر على اقتصادات كل من الدول المستوردة والدول المنتجة للنفط. ليظل الحديث عن أسعار الذهب الأسود في مقدمة الأحداث التي تتبناها دوائر الإعلام والاقتصاد العالمية، خصوصا بعد الزيادة غير المتوقعة للأسعار خلال النصف الأول من العام الحالي، والتي من المرجح أن تستمر هذه الزيادة في الصعود خلال الفترات القادمة إلى نهاية هذا العام 2021 وبداية العام الجديد 2022. وتأتي أسباب الارتفاع المطرد في أسعار النفط إلى عدة عوامل جيوسياسية وفنية، وبطبيعة الحال هذه الزيادة مفيدة لبعض البلدان فيما تشكل عبئا اقتصاديا على بلدان أخرى، ومع تسجيل أسعار النفط أرقامًا قياسية جديدة مع توقع استمرارها خلال فصل الشتاء الذي يشهد زيادة في الاستهلاك نتيجة العوامل المناخية. سنرى انعكاسا يلقي بظلاله على اقتصادات الدول المنتجة والمستوردة على حد سواء، خصوصا وأن الدول المنتجة للنفط والتي شهد اقتصادها تأثرا مباشرا جراء الانخفاض الحاد لأسعاره في الأعوام القليلة الماضية مع بداية جائحة كورونا وانكماش الاقتصاد العالمي في الربع الأخير من العام 2018، والتي تدنى متوسط الأسعار خلالها إلى أقل من 50 دولارا، كان من نتائجه السلبية خفض الميزانيات العامة لبعض الدول التي يمثل لها عائد النفط نسبة كبيرة منها تصل في البعض إلى 80% من الميزانية، مما تسبب في تأجيل العديد من الخطط المستقبلية لمشاريع التنمية واكتفت بتنفيذ المُلحِّ منها، وأدى ذلك ـ بطبيعة الحال ـ لزيادة في الديون الخارجية نتيجة القروض التي كانت مُلحَّة لتفادي بعض الآثار السلبية لتدني الأسعار، فيما كان هذا التدني دافعا للجانب الآخر وهو المستورد الذي استفاد خلال تلك الفترة فكثف جهوده من أجل زيادة المخزون من أهم سلعة استراتيجية، فمثل ذلك انقساما عالميا بين رابح وخاسر ومتفائل ومتشائم جراء الصعود والهبوط في أسعار النفط.
ويتمثل خوف المتشائمين من ارتفاع الأسعار بتوابع تمثل آثارًا سلبية على مستويات النُّمو الاقتصادي في الدول المستوردة للنفط. وفي حالة ثبات أسعار النفط عند مستوياته الحالية، فإن ذلك سيقود إلى انكماش اقتصادي نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة في هذه البلدان وتأثر سوق المال لديها بتدني أسعار العملات، وتأرجح أسعار الذهب صعودا وهبوطا، فيما يأمل الجانب الرابح من ارتفاع الأسعار أن يدر عليهم عائدات ضخمة تعيد تشغيل قاطرة التنمية مرة أخرى، وتوظيف تلك العائدات في ضخ أموال بالميزانيات العامة تشكل شريانا حيويا في رفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما ينتج عنه انتعاش تنموي وإيجابي يعيد الاقتصاد إلى مساره الصحيح.
فيما يبقى أمل الدول المستوردة قائما على اجتماع أوبك في بدايات العام القادم 2020 ومناقشة وضع حلول لارتفاع الأسعار، والتي منها اقتراح بزيادة الإنتاج وتوزيع الحصص بطريقة عادلة على الأعضاء، لتقليص الهوة بين العرض والطلب من أجل تهدئة الأسعار ووقف تصاعدها. فيما ستلجأ بعض الدول إلى التحول باتجاه الطاقة المتجددة والبديلة. إن أسعار النفط قد تستمر هي العامل الرئيسي المتحكم في الاقتصاد العالمي لما يمثله من سلعة استراتيجية سيظل العالم لا غنى له عنها حتى وإن توافرت البدائل، وسيظل هناك رابح وخاسر بين المنتج والمستهلك، مع خفض أو ارتفاع الأسعار، بقي فقط أن تستفيد دولنا المنتجة للنفط بأن تستغل هذه العائدات في وضعها التنموي الصحيح، فقد مرت تجارب أثبتت أن التقلب في الأسعار هو الشيء الثابت للعائدات.