خميس بن عبيد القطيطي:
نُشِر قبل فترة مقال مطول عن الرئيس العراقي صدام حسين لكاتب عربي تعرضت بلده لكارثة جراء الغزو العراقي للكويت، ولا شك أن الجميع يدرك حساسية هذا الموضوع وما تعرضت له دولة الكويت الشقيقة في الثاني من أغسطس عام ١٩٩٠م، ولكن أمانة البحث في قراءة تاريخ الرئيس صدام حسين بما حمل من إيجابيات أو سلبيات تقتضي على الباحث أن يتحلَّى بأمانة البحث والتجرُّد. وقد يقدم هذا الباحث إضاءات تخدم الواقع الحالي في العراق، لكن عندما تتغلب الأيديولوجيات على بعض الأشقاء سوف يهاجم أي باحث أو كاتب بغضِّ النظر عما يقدمه على الساحة الإعلامية، وهذه إشكالية شخصية متغلغلة في الكثير من بني البشر .
لا شك أن لكل شخصية من السلبيات والإيجابيات ما تُشكِّل خلفيته التاريخية، ولا يمكن تجاوزه أو الطفو فوقه، وعلى الباحث أو الكاتب معالجة هذا الموضوع بكل مهنية وموضوعية، أما أن نرفض أي كلمة إيجابية ونقدم كل شيء مختلف عليه سلبيا، ونسوق كل الخطايا والموبقات، فهذا ليس من أمانة البحث في التاريخ. وموضوع صدام حسين حاله كحال أي زعيم له من الإيجابيات التي لا يمكن إخفاؤها، وإن حاول خصومه الإساءة. فالتاريخ لا يكتب بشكل أحادي الجانب، ولَيْتَهم ينصفون أنفسهم ويأخذون الموضوع بقراءة موضوعية وأمانة وعدل .
الأمانة تقتضي من الجميع الالتزام بها في قراءة التاريخ، سواء كنا مع تلك الشخصية أو ضدها، وهنا أحيي الكاتب الدكتور عبدالعزيز القطان على هذه القراءة والبحث، فقد تجرَّد عن كل النزعات التي ارتهن فيها الآخرون رغم ما يمثله فتح هذا الملف من انعكاسات قد تصل إلى حد الهجوم على الكاتب نفسه، ولكن تحلَّى بالشجاعة وأمانة البحث في شخصية الرئيس العراقي صدام حسين وهو الذي قام بغزو بلده الكويت .
هذه القضية وغيرها من القضايا التي صنفت بالأخطاء التاريخية الكبرى لصدام حسين، بل إنها جريمة فعلًا حدثت في لحظة تهور سياسي تبعه ما تبعه من مآسٍ على الأمة العربية كلها. ما أود الإشارة إليه أن هناك صفحات مضيئة لهذا القائد في بناء الدولة العراقية التي أسهم فيها منذ كان نائبًا لرئيس الجمهورية عام ١٩٦٨ ولا يمكن تجاهلها، وجعل من العراق دولة قوية مهابة لا مكان فيها للطائفية والمذهبية، بل للدولة الوطنية التي ما زلنا نبحث عنها، كذلك هناك إضاءات لهذا الزعيم فيما يتعلق بقضايا الأمة العربية لا يمكن نكرانها في دعم جبهات القتال لاستعادة الحقوق العربية .
إنصافًا لهذا الرجل الذي أسقط في تاريخه كل المساوئ والقدح وتعرض للغبن بل والهجوم العنيف حتى اليوم، في تجاهل متعمد مع سبق إصرار على محاولة محو أي صفحة بيضاء في تاريخه، وهذه إشكالية يعاني منها بعض الإخوة الذين تلبست قلوبهم بأيديولوجيات خاصة وظلوا قابعين رهين تلك المشكلات ولم يتخلصوا منها، فلا يمكن لأي إنسان يعيش في مثل هذه الحالة الأيديولوجية أن يتخلص منها في توصيفاته وتقييمه، وهنا لديه مشكلة شخصية ينبغي التخلص منها قبل أن يقدم رأيه في أي موضوع كان. فالتقييم، خصوصًا في حالة تتعلق بملف صدام حسين، يتطلب الأمانة والموضوعية والنزاهة والعدل والإنصاف والشفافية وكل الصفات الشخصية التي تضعه في مقام القارئ والباحث وصاحب الرأي المتوازن، أما إذا اختلت تلك المعاني والمفردات الشخصية فهنا تبقى مشكلة ولا يمكن الاعتداد برأيه، ونسأل الله دائما أن يُصوِّب فكر أبناء هذه الأمَّة .