محمد عبد الحليم القاضي:
قد يؤذيك أحدهم وتعفو عنه، لكنك أبداً لا تستطيع أن تغفر له. إذ قد يكون آذاه ترك داخلك كسرًا لا ينجبر، ولذلك كانت مسامحة الناس على مراتب ودرجات وهي:الأولى (العفو)، وذلك بأن ترك رد الأذى الذي وقع عليك حتى وإن لم تترك آثاره المترتبة عليه، وإن لم يصف قلبك له، كمن يؤذيك في عرضك أو أهلك... فلا ترد له الأذى، لكنك قد تأخذ عوضًا عن الضرر الذي سببه لك، ولا يصفو له قلبك مرة أخرى.
والثانية (الصفح)، وذلك بأن تترك رد الأذى الذي وقع عليك، ولا تطالبه بالآثار المترتبة عليه، وإن لم يصف قلبك له، كمن يؤذيك في مالك أو جسدك، فلا تقتص منه ولا تطالبه بعوض، لكن قلبك يهجر مودته وقربه ولا يسامحه، كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) مع وحشي بن حرب ـ قاتل عمه حمزة ـ فلم يطالبه ولم يؤاخذه ولكنه قال له: أأنْتَ وَحْشِيٌّ؟ قال:نَعَمْ، قال: أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ قال: قَدْكَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي.
والثالثة والأعلى (المغفرة)، وذلك بأن تترك رد الأذى الذي وقع عليك، ولا تطالبه بالآثار المترتبة عليه، ويصفو قلبك له حسبة لله سبحانه وتعالى، كمن آذاك في نفسك ومالك فلا تقتص منه، ولا تطالبه بعوض عن أذاه، ولا حتى يؤاخذه قلبك، فتعامله وكأنه لم يفعل شيئًا، كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) مع قريش يوم فتح مكة، فلم يطالبهم ولم يعاتبهم، بل كان رده عليهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وهذه أعلى مراتب المسامحة وهي المرتبة التي يعامل الرب ـ جلَّ جلاله ـ بها التائبين من عباده بفضله ومنه وكرمه، بل ويتفضل الله ويتعالى عن خلقه فيبدل سيئات التائبين إلى حسنات،وهذا لا يطيقه البشر مهما بلغ عفوهم، كما قال عز وجل:(إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صٰلِحًافَأُولٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْحَسَنٰتٍوَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الفرقان ـ 70).

عضو الاتحاد الدولي للغة العربية