محمد بن زهران الرواحي:
كما هو معلوم أن الله عزَّ وجل شرع الكثير من الأحكام، فيها صلاح البشرية جمعاء، وفيها أمنهم وأمانهم، وفخرهم وعزهم، واستقرارهم وثباتهم، وغناهم وسعادتهم.

هذا، ومما شرع الله عز وجل (الميراث) الذي فصّل فيه الله عز وجل فيه تفصيلًا في كتابه العزيز، كما بيّنه نبيه الكريم (صلى الله عليه وسلم) تبيينًا واضحًا لكل ذي عينين وقلب بصير.

من هنا نعلم أن العمل بما جاء في الميراث في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه المرسل (صلى الله عليه وسلم) واجب لا يجوز التنحي عنه أبدًا، ولا يجوز التغاضي عنه أبدًا، ولا يجوز مخالفته البتة، فإذا مات المتوفَّى وجب تقسيم التركة بعد النظر في وصيته، لقول الله تعالى في كتابه العزيز:(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (النساء ـ 12).

وتوضح الآية الكريمة أيضًا بأن إن كان للمتوفَّى دين وجب قضاء دينه قبل تقسيم التركة، وهو ما وضحه أيضا سيدنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) في أحاديثه الشريفة منها: عن محمد بن جحش قال:(كنا جلوسًا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته، ثم قال: سبحان الله ماذا نزل من التشديد؟! فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد، سألته يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال: والذي نفسي بيده لو أن رجلًا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل، ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضي عنه دينه(، وعن أبي هريرة أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم) قال:)نفس المؤمن معلقةٌ ما كان عليه دين(، وعن أبي قتادة أنه قال:(جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، إنْ قتلت في سبيل الله صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟! فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: نعم، فلما أدبر الرجل ناداه فقال له: كيف قلت، فأعاد عليه قوله فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم: نعم إلا الدين، كذلك قال لي جبريل)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: (يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين(.

من هنا نعلم أن قضاء دين المتوفَّى ضرورة لا محيص عنها، ومن خلال الآيات الكريمة في كتاب الله عز وجل نعلم أن العمل بالميراث فرض واجب لا يجوز تأخيره، وما يحصل من التأخير فيه ذنب عظيم ـ والعياذ بالله تعالى ـ إذ فيه تأخير لحكم حكمه الله عز وجل، فالميراث أمر رباني حكيم رعى فيه الله عز وجل المصلحة العامة والخاصة للبشر، كيف لا، وفيه تتحقق وصية الموصِي، وهي المصلحة الخاصة، وفيه يتم تقسيم مال الموصِي للورثة، وهي المصلحة العامة.. فالله أكبر كم من مال لم يُقَسَّم مات وُرَّاثه.. أهذا يرضاه الله عز وجل؟! كلا ورب الكعبة.. هذا لا يرضاه الله عز وجل البتة.

إذ بموت الوارث فقد مالا يستحقه، ففضلًا أنه يستحقه لربما كان في أمس الحاجة إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنها مصيبة تأخير تقسيم مال المُتوفَّى، لربما يبقى المال في بعض الأحيان أعوامًا طويلة وهو لم يُقَسَّم، فيموت الوارث تلو الوارث، ويبقى الحال كما هو، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

إن على المسلمين أن يعوا أن العمل بما أمر الله عز وجل، ومن ضمن ذلك العمل بالميراث، هو الخير كله في الدنيا والآخرة، ذلك لأن الله عز وجل لا يشرع شرعًا إلا وفيه مصلحة الناس أجمعين.

باحث شؤون إسلامية