عادل سعد:
أن يقود الرئيس الأميركي جو بايدن حملة عالمية لإزالة احتكار حقوق الملكية الفكرية الخاصة بلقاحات مواجهة وباء كورونا، فإن هناك ما يشفع لهذه الخطوة والذهاب بعيدًا بها؛ لما لها من أهمية في تعزيز الاستقرار النفسي وكبح المخاوف، خصوصًا مع ما تؤكده أغلب المصادر المعنية أن ارتفاعًا جديدًا طرأ على مستوى الخطر بعد ظهور (أوميكرون)، المتحور الجديد لفيروس "كوفيد19" بالنسخة المتحركة من جنوب إفريقيا والتهويل الإعلامي الواسع الذي يرافقها الآن.
لقد استطاع هذا الفيروس (خلط الأوراق) في الأسابيع القليلة الماضية بفتح جبهة أخرى، وكأنه يصر على أن لا يسمح لأحدٍ ينتظره، مفوّتًا الفرصة مجددًا على (أعدائه) في الاطمئنان إلى قدراتهم.
إن وضع حقوق ملكية اللقاحات تحت تصرف جميع الدول يعني رفع السرية عنها، وجعلها في المتناول من أجل تصنيعها، الوضع الذي يجعلها في متناول المزيد من المختبرات تحليلًا وتصنيعًا، وهذا تيسير خدمي مجاني لم يسبق له مثيل في العالم بعد أن ظلت اللقاحات والعقارات الدوائية تخضع لقوانين الملكية الفكرية في غرف مقفلة يُعد تفكيك أسرارها سرقةً ولصوصيةً تستوجب المحاسبةَ القضائيةَ، علمًا أن هناك الآن العديد من القضايا المرفوعة في هذا الشأن.
بتحليل مضاف، يعني ذلك أيضًا توظيف اقتصاديات الصحة على أساس الإتاحة العادلة التي لا يمكن أن تستثني دولةً أو جهةً من فرصة الاستفادة منها بعيدًا عن أية مساومات.
إن الضرر الذي أصاب وما زال يصيب العالم من جراء هذا الوباء لم يستثنِ شعبًا من الشعوب، لذلك ليس فضلًا من أحد أن يصار إلى هذا الإجراء إذا أخذنا بعين التوظيف بفرضية (التخادم) بين أشد الخصوم إذا كان الخطر الداهم مشتركًا. ولكن ما يبقى قائمًا احتمال عدم رضوخ شركات تصنيع اللقاحات له، أو احتمال الالتفاف عليه بحكم السطوة التاريخية لنزعات الاحتكار والبحث عن الربح المفتوح، وبالمقابل، إن مجرد التداول بهذه الخطوة هو مؤشر إلى الاتجاه الصحيح، وفي كل الأحوال هناك احتمال وارد أن يتاح التداول بمعلومات قيد التشغيل بينما يتم تقييد وإخفاء المعلومات التي تستجد.
أعتقد أن الوضع يحتاج إلى قرار إتاحة دولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وعندها يكون الالتزام به أمرًا للجميع، خصوصًا إذا اقترن القرار بفرض عقوبات على الجهات التي تحتكر المعلومات الأساسية لصالحها فقط، أو تستغلها وسيلةَ تمويهٍ أو ضغط.
إن العالم في سباق هذه الأيام مع الزمن، فالخطر من المتحور الجديد ليس داهمًا، وإنما دخل حيز الاستشراء بعد انتقاله إلى عدد من الدول، ولذلك لا بد من إجراءات عاجلة بدأ أساسها التحضيري في لقاء وزراء صحة مجموعة الدول الصناعية السبع خلال الأسبوع الحالي، هكذا أيضًا تمثل خطوةً تأسيس شراكات دولية وإقليمية لتبادل المعلومات والمقترحات بشأن أسبقيات تصنيع اللقاحات، وبقدر ما يتعلق الأمر بالمجموعة العربية فإن حلقة لوزراء الصحة العرب بشأن الموضوع نفسه يصبح بذات الأهمية، وبالإمكان المباشرة من الآن في توجيه دعوات لاجتماع مائدة مستديرة يخصص لتكوين مجموعة عمل عربي مشترك تضع أسبقياتها على أساس أن المنطقة العربية تخلَّفت حتى الآن في اعتماد منهج يؤسس لمناعة إقليمية ضد الوباء، علمًا أنه لا ينقصنا عربيًّا، لا الحاجة، ولا الخبراء، ولا التقنيات، ولا متطلبات السرعة بمنطق أن (خير البر عاجله).
إن عزيمة عربية على هذا الطريق كفيلة حقًّا أن ترسم بجدارة فرصة مهمة من شأنها أن تكون فاتحة عمل تطبيقي للجهود المتواصلة الآن تحضيرًا لمؤتمر القمة العربية القادم الذي من المنتظر انعقاده في الجزائر خلال الفصل الأول من السنة المقبلة 2022.