سعيد بن علي الغافري:
يعود بي الشوق والحنين الى أيام الطفولة وذكريات السنين كلما قمت بزيارة قرية من قرى ولاية عبري بحاراتها وأسواقها الشعبية القديمة التي كانت تعج بأهلها من الباعة الذين يعرضون سلعهم وبضائعهم والمتسوقين وصوت ذلك المنادي الذي يملأ جنبات وردهات السوق وهو ينادي على سلعة ما وكاتب السوق الذي يدوّن في دفتره السلع المباعة وأثمانها تلك الجماليات التي تجلت بصورها في ذهني وأنا أسلك طرق أسواق حارات السليف والدريز والعراقي الذي يتجاور مع حصنها العريق بإطلالته البهية المحمّلة بعبق التاريخ والتراث الخالد.
فقرانا لا تخلو من هذه الأسواق وحركتها الشرائية والتسويقية والتي تأتي بضائعها من بلدان الولاية والولايات القريبة منها وحركتها التي تعجُّ بالناس حتى قرب غروب الشمس، وكان المنتج المحلي والاعمال الحرفية والمهنية متصدرة من الخضراوات والفواكه والأسماك واللحوم والقمح والشعير والتمور والليمون والحلوى والقشاط التي تتميز بمذاقها وطعمها بجانب الهريس والدنجو والجوز..
وغيرها من الأطعمة التي تتفرد بخصوصيتها والمصبوغات من النيل والورس والمحلب والزعفران والبخور من اللبان والصمغ والأعمال الخوصية المتنوعة.
هذه الاسواق أصبحت اليوم إطلالة وذكريات أغلبها آل للاندثار مع السنين، فرحم الله أهلها الذين قاموا بعمارتها والمحافظة على هذه المهنة العريقة مع بقية المهن الأخرى والتي تناقلت جيلًا بعد جيل، وكانت تمثل لهم ولأسرهم مصدر رزق وعائدًا مهمًّا في تسويق وبيع منتجاتهم ومصدر عمل من خلال سعيهم في عملية البيع والشراء والمناداة، ومع الانفتاح الاقتصادي الذي أطلَّ بصوره الجديدة وتأثيراتها على هذه الاسواق وهيمنة الوافدين على أغلب الانشطة التجارية وإهمال المواطن للمهن وتشجيعه للوافد أصبحت هذه الاسواق مجرد إطلالة مندثرة تحكي عن حقبة زمنية من سيرة الآباء العطرة قلَّ من حافظ عليها من الأبناء.
فالآمال والتطلعات أن يُعاد أمجاد هذه الأسواق في ربوع ولاية عبري العريقة وعودة الحياة فيها من جديد بقيام جهات الاختصاص بإحياء أنشطة الأسواق الشعبية التقليدية وتخصيص مواقع أو مخططات بقرى الولاية وتوفير خدمات عرض وبيع المنتجات والصناعات المحلية والحرفية والزراعية والتي بلا شك سوف تعود بالمنفعة الكبيرة على منتجاتنا الأسرية وتعزز من دخل الفرد والمجتمع وتوفر فرص عمل للعديد من الأهالي والشباب وخاصة في ظل انتعاش سوق بيع المنتجات والأطعمة والمنتجات الاسرية والزراعية والحرفية والتمور على قارعة الطرق والتي نراها منتشرة في قرانا.
نأمل أن نرى إطلالة جديدة لأسواقنا المحلية وحركتها الدؤوبة، وهذا بلا شك يسعدنا ويثلج قلوبنا جميعًا.
* مسؤول مكتب (الوطن) بعبري