يومًا بعد يوم تؤكِّد السَّلطنة ثبات موقفها الرَّاسخ الدَّاعم للقضيَّة الفلسطينيَّة، بأنواع الدَّعم الممكن كافَّة، وفي جميع المنابر الدوليَّة والإقليميَّة؛ وذلك إيمانًا منها بعدالة القضيَّة الفلسطينيَّة، وحقوق الشَّعب الفلسطيني الشَّقيق المهدورة والمُصادَرة من قِبل سُلطة احتلال لا تُراعي القرارات والقوانين الدوليَّة التي اتُّخذت على مدار أكثر من 60 عامًا، كما أنَّ الموقف العُماني من القضيَّة الفلسطينيَّة يتواكب مع أهميَّة أنْ يعمَّ السَّلام العادل والشَّامل ربوع المنطقة، وأنْ تُوجَّه الجهود للتَّنمية المُستدامة والعلاقات البنَّاءة بدلًا من الصِّراعات والحروب. فالسَّلطنة تُدرك بوعْي مؤدَّى عدم تحقيق السَّلام والتَّعاون المنشود بَيْنَ بلدان المنطقة بدون حلٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضيَّة الفلسطينيَّة، وتوفير الحقوق الفلسطينيَّة المختلفة، فالسَّلام هو وحده بوَّابة التَّنمية المُستدامة الشَّاملة، وبدونه سترزح المنطقة رهينة صراعات قديمة، وستواصل الأجيال المتعاقبة دفع الأثمان.
ومن هذه المنطلقات الثَّابتة، أكَّدت السَّلطنة مجددًا دعْمها جهود السَّلام في منطقة الشَّرق الأوسط وفي غيرها من مناطق العالَم، لكنَّها في الوقت ذاته مع القانون الدولي الذي يؤكِّد عدالة القضيَّة الفلسطينيَّة ومشروعيَّة مطالب الشَّعب الفلسطيني غير القابلة للتصرُّف، وفي مقدِّمتها حقُّه في نَيْل الاستقلال، وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقيَّة، وفقًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ومبادرة السَّلام العربيَّة، وتَّأييد حلِّ إقامة الدولتَيْن، وذلك في كلمتها أمام الجمعيَّة العامَّة للأُمم المتَّحدة في دورتها الـ76 من مناقشة البند الـ(۳۹) المعني بقضيَّة فلسطين والتي ألقاها سعادة السَّفير الدكتور محمد بن عوض الحسَّان المندوب الدَّائم للسَّلطنة لدى الأُمم المتَّحدة، حيث كانت الجمعيَّة فُرصة جيِّدة لاستعراض الشَّأن الفلسطيني، خصوصًا وأنَّها المرَّة الأولى التي تجتمع فيها الأُمم المتَّحدة لمناقشة قضيَّة فلسطين، والتي باتت من القضايا الأساسيَّة المعروضة على جدول الأعمال منذُ تأسيس هذه المنظَّمة عام 1945م.
واستعرضت السَّلطنة خلال كلمتها أبعاد رُؤيتها حَوْل الحلِّ الفلسطيني، حيث أكَّدت أنَّه رغم القرارات الدوليَّة، بما في ذلك تلك الصَّادرة عن مجلس الأمن، ورغم الإجماع الدولي حَوْل ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة في الضفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة، إلَّا أنَّ الاحتلال لا يزال قائمًا، مع استمرار ممارساته الاستيطانية وغيرها من مظاهر التَّضييق والاستفزاز التي تؤثِّر على مشاعر شعوب المنطقة، لا سيَّما تلك التي تطول الأماكن المقدَّسة، كما عبَّرت عن قلَقها إزاء استمرار سياسة العدوان، والاستيطان، والتَّصعيد العسكري، والتَّنكيل بالمدنيِّين بما في ذلك النساء والأطفال، وأنَّ مثل هكذا مسار وممارسات لا تخدم السَّلام.
وتميَّزت الرُّؤية العُمانيَّة للقضيَّة الفلسطينيَّة بإدراك ووعْي للمعضلات كافَّة، التي تعوق التقدُّم في مختلف المسارات، فقد سلَّطت السَّلطنة الضَّوء في كلمتها على عدم احترام "إسرائيل"، بوصفها السُّلطة القائمة بالاحتلال، للقانون الدولي، وعدم قيام المجتمع الدولي بمسؤوليَّاته تجاه الشَّعب الفلسطيني، ما أفضى إلى انتهاكات جسيمة بحقِّ هذا الشَّعب ومقدَّراته، وتسبَّب في مآسٍ بحقِّ المدنيِّين الذين باتوا في مناطق شِبه معزولة عن العالَم، وهو أمْر لا يجب السُّكوت عنه، فعدم احترام "إسرائيل" للقرارات الدوليَّة والصَّمت العالَمي على ذلك هو العقدة التي أجَّلت حلَّ القضيَّة على مدار العُقود الماضيَة، والتي أدَّت لمُعاناة كبيرة للشَّعب الفلسطيني ومحيطه العربي.
إنَّ كلمة السَّلطنة ليست مجرَّد كلمات منمَّقة، وتحمل شعارات، وإنَّما تملك حلولًا وتقف إلى جانب الحقِّ، فقد أيَّدت لتمسُّك الشَّعب الفلسطيني بالحريَّة والكرامة والاستقلال، رغم الممارسات والاستفزازات، خيار السَّلام.. داعيةً "إسرائيل" إلى التوجُّه بخطًى ثابتة نَحْوَ السَّلام، وبما يؤسِّس لمَرْحلة جديدة من التَّعاون والتَّعايش بَيْن سائر دول وشعوب منطقة الشَّرق الأوسط، وبما يُنهي هذا الصِّراع الذي أثَّر على الاستقرار والتَّنمية في منطقة الشَّرق الأوسط، ودعت المجتمع الدولي إلى العمل معًا نَحْوَ إقامة سلامٍ عادلٍ ومُستدام في منطقة الشَّرق الأوسط يُراعي مصالح وحقوق جميع الأطراف؛ كونه الخيار الاستراتيجي لتسويَة الصِّراع في منطقة الشَّرق الأوسط، والذي لا يتأتَّى إلَّا من خلال احترام القانون وتحقيق العدالة، وهي الخريطة الوحيدة لتحقيق السَّلام المنشود.