د. يوسف بن علي الملَّا:
في حياتنا بشكل ما تلاحظ أن كل شخص ـ حتى الأكثر حظًّا بيننا ـ لديه ظروف يرغب في تغييرها في حياته. وبينما أنت تفكر في حياتك الخاصة وبشيء قد يسبب لك التوتر أو القلق أو الحزن، خصوصا عندما تواجه صعوبة في العثور على وظيفتك أو مهنتك المثيرة للاهتمام على سبيل المثال. أو ربما لا تحصل على الكثير من صداقاتك وتشعر بالوحدة. كيف يمكنك تحسين الوضع؟ قد تكون إجابتك مثلا: يجب أن أتحرك، وأحصل على وظيفة جديدة، وألتقي بأناس جدد. وربما ـ أقول هنا بلسان حالك: يجب عليك تغيير العالم الخارجي لجعله أفضل لك!
لذلك في بعض الأحيان، قد يكون تغيير ظروفك أمرًا صعبًا ولكنه ضروري للغاية، كما هو الحال في حالات الإساءة أو العنف. وأحيانًا يكون تغيير ظروفك أمرًا سهلًا: فمثلًا إذا كنت تعاني من الخمول العميق كل صباح، ستبدأ عندها في النوم مبكرًا. لكن يجب أن نعي أيضًا أنَ القتال ضد الواقع قد يكون مستحيلًا أو غير فعال. فربما تم تشخيصك بمرض مزمن لا توجد خيارات علاجية واعدة له، أو ربما لديك وظيفة تحبها ولكنك لا تحب مديرك، ولن يمنحك أحد مديرا جديدا! لذلك في مثل هذه المواقف، يمكن أن يكون تغيير ما تشعر به أسهل بكثير من تغيير واقعك المادي، حتى لو بدا غير طبيعي.
لذلك لو أخذنا ما ذكرته آنفا، سترى أنه ليس من المستغرب أن يؤدي الإجهاد المزمن غالبًا إلى آليات التكيف غير الصحيحة للتكيف في الحياة الحديثة، كإساءة استخدام المخدرات والمسكرات، وإيذاء النفس، ولوم الذات. هذه الاستجابات لا تفشل فقط في توفير الراحة على المدى الطويل؛ بل يمكنها مضاعفة المشاكل من خلال الإدمان والاكتئاب وزيادة القلق.
وهذا حقيقة يأخذنا إلى نقطة مهمة، ألا وهي أهمية تقييم مخاوفك وإدارة مشاعرك السلبية، والتي هي بلا شك استراتيجية أفضل من محاولة تغيير العالم من حولك. ومن أهم تلك الاستراتيجيات هي ملاحظة مشاعرك. فعندما تلاحظ مشاعرك كما لو كانت تخص شخصًا آخر، فإنك تقدم لنفسك نصيحة أفضل. من ناحية أخرى فكرة أنك بحاجة إلى تغيير ظروفك إذا كنت حزينًا تستند إلى افتراض أنه يجب القضاء على مشاعرك السلبية. وفي كثير من الحالات، يمكن أن تكون المشاعر السلبية منهكة ويمكن أن تتطلب العلاج، كما هو الحال في حالات الاكتئاب أو القلق. ولكن في كثير من الحياة، تكون المشاعر السلبية جزءًا من تجربة إنسانية كاملة ـ إن صحَّ لي القول ـ وإن محوها سيجعل الحياة رمادية! لذلك يجب أن تتقبل مشاعرك، وأن تسأل عما تتعلمه عن نفسك من كل من هذه المشاعر، وكيف يمكن أن تنمو نتيجة لذلك.
وبين ذلك وذاك، اسأل نفسك بهدوء عما إذا كنت تطلب من العالم من حولك شيئًا لا يمكنه تقديمه لك أم لا؟! فإذا كنت كذلك، فدعني أقول إنك ربما تبحث في المكان الخطأ عن نعيمك.
ختاما، صحيح أنه لا يوجد شيء بائس، ولكن التفكير يجعل الأمر كذلك، وعلى العكس من ذلك، فإن كل شيء يكون سعيدًا إذا تم تحمله برباطة جأش، وقلل الإنسان من توقعاته من العالم الذي حوله، بل وأدرك أن خدمة الآخرين من أكثر الطرق فعالية لرفع سعادته. فعندما لا تستطيع تغيير العالم، غيِّر مشاعرك كما فعل الكثير من الأشخاص... وأنت يمكنك ذلك أيضًا.