محمد بن سعيد الفطيسي:
يعد القطاع العسكري من أهم القطاعات التي يمكن أن تقوم بأدوار ذات قيمة عالية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، هذا القطاع لم يتم التركيز عليه بشكل احترافي أو منهجي أو موسع في هذا الاتجاه إلا في السنوات التي تلت أحداث 11 سبتمبر من العام 2001. ترجع أبرز الأسباب التقليدية وراء ذلك لعدم الرغبة في توسع أدوار هذا القطاع لتجاوز الدور العسكري أو الحربي، أو لعل ذلك يعود إلى عدم الحاجة إلى الزج به في مثل هذه القضايا لقدرة الأجهزة الأخرى على مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، تقليديا كان نموذج الحرب وتدخل القطاع العسكري في الحياة المدنية دائما وسيلة الملاذ الأخير.
على أنه وفي الآونة الأخيرة أصبحت الحاجة لدخول القطاع العسكري في هذه الحرب مهمة للغاية، وترتفع أهميتها مع توسع قدرة التنظيمات الإرهابية واتجاهاتها الحديثة من حيث الاستراتيجيات التوسعية والإمكانيات البشرية، يضاف إلى ذلك تطور العتاد الذي تستخدمه تلك التنظيمات من حيث الكم والنوع، بالإضافة إلى أن العديد من تلك التنظيمات الإرهابية تعمل على أساس أنها دولة ويبرز ذلك من خلال إطلاق بعض التسميات السياسية والعسكرية على كيانها وأفرادها كمفردة دولة وجيش وكتيبة ولواء.
لذا تعد التدريبات والمناورات العسكرية الوطنية أو تلك المشتركة مع دول أخرى ورقة رابحة وفرصة لا تعوض لإرسال رسائل مختلفة تتعلق بجوانب مكافحة الإرهاب والتصدي للتنظيمات الإرهابية، خصوصا أن تلك التدريبات تبرز مدى قدرة القطاع العسكري في الدول على تكاملية الأدوار الأمنية في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة وغيرها من القضايا التي تؤثر في الأمن الوطني، بالإضافة إلى أن تلك التدريبات تعد فرصة طيبة لتأهيل القطاع العسكري لمواجهة نوع جديد من الصراعات والحروب المعاصرة المشابهة لمهامهم القتالية، خصوصا أن العديد من التنظيمات والجماعات الإرهابية أصبحت تستخدم الأساليب القتالية العسكرية والعناصر المسلحة والمجهزة بالتجهيزات العسكرية.
جانب آخر هو أن القطاع العسكري في العديد من الدول التي ابتليت بهذه الكوارث قد تعرض إلى التبعات والآثار المباشرة للإرهاب، حيث إن أفراد هذا القطاع في العديد من الدول التي تواجه الإرهاب وبشكل مباشر ويومي "معرّضون دومًا وبشكل طبيعي في حياتهم العسكرية لأن يكونوا في عداد الجرحى أو المستشهدين عندما يطول الإرهاب ثكنات الجيش أو مراكزه العسكرية، لذلك يشكّل الإرهاب بالنسبة لهم تهديدًا استراتيجيًّا للأمن الوطني الداخلي".
في الغالب ترتكز تلك التدريبات العسكرية المشتركة على جوانب تطوير الكادر البشري من حيث تطوير العقلية العسكرية والأفكار والاستراتيجيات الحربية، والتعرف على مدى قدرة تلك العناصر على القيادة، والتنسيق بين مختلف القطاعات والوحدات العسكرية والتأقلم والتجاوب مع الضغوط والتعامل مع النفسيات المختلفة لاختلاف بيئات وخبرات وتعليم تلك العناصر، ثم تقوم تلك التدريبات على اختبار الأسلحة والعتاد العسكري ومدى ملاءمة تلك الأسلحة مع القضايا المختلفة.
لذا فإن إدخال بعض البرامج والسيناريوهات الخاصة بمكافحة الإرهاب في تلك التدريبات العسكرية الداخلية أو المشتركة مع دول أخرى سيسهم في توسع خبرات وقدرات وإمكانات هذا القطاع بشكل أفضل وأكثر احترافية، مثل برامج وسيناريوهات اختطاف السفن والطائرات أو تفجيرها أو اختطاف الرهائن أو هجوم إرهابي على ثكنات عسكرية، أو هجوم بيولوجي على مدينة.. إلخ.
إذًا لا شك أن القطاع العسكري وخلال المرحلة الزمنية القادمة سيدخل بشكل موسع وبقوة في جوانب مكافحة الإرهاب، الأمر الذي يدفع الدول إلى أهمية التنبه إلى ضرورة إعادة النظر في تطوير وتحديث العقائد العسكرية من حيث تضمينها تلك الجوانب الخاصة بمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى أهمية التوسع في دراسة كل ما يتعلق بدور البيئة الأمنية الدولية في تغيير وتطوير تلك العقائد من جهة أخرى، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة تطوير جوانب الثقافة المؤسسية لمواكبة تلك المتغيرات والتحوُّلات المعاصرة الحاصلة في العقائد العسكرية بوجه عام ومكافحة الإرهاب خصوصا.
على ضوء ذلك، بات من المهم استغلال التدريبات العسكرية التي تقيمها الدول بالاشتراك بين وحداتها وقطاعاتها العسكرية والأمنية والمدنية أو من خلال التدريبات العسكرية المشتركة مع دول أخرى في جوانب مكافحة الإرهاب والتصدي للتنظيمات الإرهابية، حتى في تلك الدول التي شاء الله لها النجاح وتجنيبها تلك الجرائم، ولعل أهم جانب محفز ودافع لذلك في مثل هذه الدول هو تطوير العقيدة العسكرية بالإضافة إلى تطوير الثقافة المؤسسية والتخطيط الاستراتيجي.