عرض ـ محمد عبد الصادق:

■■ صدر حديثا كتاب عمان في ذاكرة الخريطة للمكرم الدكتور محمد بن حمد الشعيلي عضو مجلس الدولة، الكتاب صدر في طبعة فاخرة برعاية “أسياد” ويتكون من 240 صفحة من القطع المتوسط، تصدره غلاف يحتوي تصميما أنيقا لأدوات ملاحية تقليدية؛ بوصلة ومنظار ومصباح وخرائط، في إشارة إلى مكانة عمان في الجغرافيا التاريخية، كما ضم الكتاب عددا كبيرا لنماذج من الخرائط التاريخية والجغرافية العالمية التي ورد فيها ذكر عمان. ■■

جاء ترتيب الكتاب بشكل مختلف، حيث وضع الفهرس في المقدمة، تلاه مقدمة تحدث فيها الكاتب عن أهمية الخرائط في الوقوف على المكانة الاستراتيجية والحضارية للدول في جميع المجالات، وكيف يمكن الاستفادة من تفاصيل الخرائط الجغرافية في الاستخدامات الطبوغرافية والجيولوجية والمناخية والبشرية والاقتصادية، ومن ثم عرج للحديث عن الاهتمام الذي حظيت به عمان في الخرائط منذ القدم وصولا للعصر الحديث، سواء كانت خرائط خاصة بها أو الإشارة إليها في الخرائط الدولية والإقليمية والقارية، وذلك بحكم الأهمية السياسة والجغرافية والثراء التاريخي والحضاري الذي حظيت به السلطنة.
وتحدث الشعيلي عن شغفه واهتمامه بالجغرافيا والخرائط، وكيف جاءت فكرة تنظيم معرض عمان في الخرائط التاريخية والعالمية، وتحويل هذه الفكرة إلى البرنامج التليفزيوني “بوصلة” في 30 حلقة استعرض الكاتب خلالها جوانب مختلفة من التاريخ والموروث الحضاري لعمان، كما يتحدث الكاتب عن فكرة إصدار هذا الكتاب الذي يضم بين جنباته عددا كبيرا من الخرائط ومادة علمية أكثر توسعا وشمولا ترتبط بتاريخ السلطنة وحضارتها عبر فترات زمنية متعددة، حيث يتضمن عرضا للكتابات التي ورد بها ذكر عمان في العصور القديمة وكذلك قصة دخول أهل عمان الإسلام، وعلاقتها بالدولة الإسلامية؛ بداية من عصر النبوة وانتقالا لدولة الخلافة مرورا بالدولة الأموية وانتهاء بالدولة العباسية.

كما يتحدث الكتاب عن حضارة عمان، وكيف أنها كانت من أقدم الكيانات السياسية في إقليم شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي و كان لها تأثير لافت في حضارات الشرق الأدنى القديم منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وكيف ورد ذكر عمان في أول خريطة عرفها العالم والتي رسمها أشهر علماء الجغرافيا الإغريق كلوديوس بطليموس، حيث ظهر اسم عمان ضمن خريطة شبه الجزيرة العربية.

تحت عنوان دعوة واستجابة يحكي الشعيلي كيف كانت عمان من أوائل الدول التي سارعت باعتناق الدين الإسلامي وتلبية دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويروي قصة إسلام الصحابي مازن بن غضوبة، وكيف شارك أهل عمان في الفتوحات الإسلامية التي استشهد فيها بن غضوبة وابن المتوكل في بلدة بردعة بأذربيجان في عهد الخليفة عثمان بن عفان.

كما يسرد الشعيلي مواقف أهل عمان عقب وفاة النبي، وكيف رافق وفد رفيع من أعيان عمان عمرو بن العاص الذي ولاه الرسول عليه الصلاة والسلام على عمان، في رحلته إلى المدينة لتعزية المسلمين ومبايعة الخليفة أبو بكر الصديق، وينتقل الكاتب للحديث عن علاقة عمان بالدولة الأموية وكيف تمتعت عمان باستقلال شبه كامل في بداية العصر الأموي، حتى صار الملك لعبد الملك بن مروان الذي استعمل الحجاج بن يوسف الثقفي الذي حاول إخضاع عمان لحكم الأمويين، ثم يتطرق الكاتب لعلاقة عمان بالدولة العباسية وما شهدته من صراعات على الحكم.

ويبحر بنا الشعيلي في رحلة تاريخية جغرافية يقربنا فيها من الموقع الاستراتيجي لجزيرة مسندم، وموانئ الخليج وعلاقة السلطنة بالصين وجنوب شرق آسيا، والعلاقات البحرية بين عمان والموانئ الهندية، والتواجد العماني في شرق إفريقيا، حتى يصل إلى عصر الإمام أحمد بن سعيد و الأسطول البحري العماني الذي ازدهر بسبب انخراطه في تجارة البن، وتتوالى فصول الكتاب بعرض لصورة الأرض والمسالك والممالك، وذكر المدن العمانية في كتاب نزهة المشتاق للإدريسي، وصراع ما وراء البحار، ورحلة من القرن الثامن عشر، والأمبراطورية العمانية في العصور الحديثة، وحكايات جيمس ريموند لستيد ورحلته في عمان، ورحلة الرحالة ويليام جيفورد بالجريف إلى شبه الجزيرة العربية وقدومه إلى عمان، ودبلوماسي ورحالة في عمان، تقرير عن عمان، دليل الخليج، عمان والحرب العالمية الأولى، أول عبور للربع الخالي، عمان مسيرا ومصيرا، عمان في الخرائط التاريخية والجغرافية العالمية.

ويؤكد الكاتب في خاتمة كتابه أن تاريخ عمان وحضارتها كان لهما حضور مميز في كل الفترات التاريخية المتعاقبة فلاتجد فترة إلا وكان لعمان فيها أثر، مما يؤكد عراقة الإرث الحضاري وعظمته لهذا الوطن العزيز منذ العصور التاريخية القديمة إلى وقتنا الحاضر، كما يتجلى الدور الكبير الذي قام به حكام عمان في مختلف العصور في سبيل رفعة شأنها والارتقاء بها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتوسيع نطاق جغرافيتها وحدود نفوذها لتتحول إلى واحدة من أهم الأمبراطوريات في التاريخ العربي.