د. رجب بن علي العويسي:
الحادي عشر من ديسمبر يوم قوات السلطان المسلحة، يصادف هذا العام الذكرى الأولى للمباركة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة بإنشاء إذاعةِ (الصّمود) لقوَّات السُّلطان المسلحة، في احتفال قوات السلطان المسلحة بيومها السنوي الحادي عشر من ديسمبر من عام 2020، حيث انطلق البث الإذاعي للإذاعة في الحادي عشر من يناير من عام 2021، الذكرى الأولى لتولي جلالة السلطان المعظم مقاليد الحكم في البلاد 2020، تثمينا للدور البطولي لقوات السلطان المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكرية، واعترافا بما قدمته في مسيرة بناء عُمان الحديثة ونهضتها المتجددة، حماية للوطن ورعاية للمواطنين، وحفاظا على مكتسبات النهضة، ونهج الصمود والثبات على المبدأ (الله، الوطن، السلطان) الذي آمنت به العقيدة العسكرية العمانية، والروح الإيمانية والثقة والولاء والانتماء التي التزمتها وفاء لعُمان، وولاء لجلالة السلطان المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وفي ظل مرحلة جديدة عبرت عنها رؤية عمان الطموحة "عُمان 2040"، ومستجدات إعلامية متسارعة، حظي فيها الإعلام العماني بالمزيد من الفرص التطويرية، وإدخال الكثير من التغيرات في هيكلته وبنيته ومحتواه وبيئته، لتقديم أثير إعلامي رسمي متميز، يعبِّر عن أولويات المرحلة، ويجسِّد تطلعات المواطن العماني، وفي ظل تحديات كبيرة للإعلام العالمي، وحضور واسع للإعلام الرقمي والمنصات الاجتماعية، وحالة الإخفاق الحاصلة في بعض القنوات الإذاعية حول العالم التي تتجه إلى مستنقع التفكير السطحي، القائم على الأيديولوجيات، وتأجيج المذهبية والحزبية، وترسيخ الإشاعة، وسلوك الأنا والذاتية، وإثارة الشباب وتأجيج سلوك المواجهة، وتجييش العالم الإلكتروني وبعض المحسوبين على الإعلام والثقافة والسياسة والفكر في شخصنة الأحداث بطريقة تعطي صورة عكسية لا تمت إلى الواقع بصلة، فإن التوقيت النوعي الذي جاءت فيه الإذاعة في ظل معطيات مرحلة جديدة، وتحولات تشهدها المنظومات الاقتصادية والإدارية، وفي ظل معطيات جائحة كورونا (كوفيد19)، وأحداث كونية مختلفة تبرز تأثير منصات التواصل والإعلام الآخر في فقه الشباب وقناعاته، والصورة التي يعكسها حول واقعه الوطني، والأفكار التي يتداولها حول جهود الدولة في تعاطيها مع الجوانب الاقتصادية، وما يتوقع أن تمنحه رسالة إذاعة الصمود من مزيد من الإيجابية والثقة والشفافية في ظل تدني مستوى الوعي الاجتماعي لدى الشباب حول بعض القضايا التي تواجههم، تأتي إذاعة الصمود لتقديم خطاب إعلامي متوازن، متكامل في مضمونه، عميق في محتواه، قوي في برامجه، أصيل في علاقتها الحميمة مع الجمهور، واستشعار فلسفة التغيير التي يجب أن تسري في برامج الإذاعة فتستوعب معطيات الواقع الاجتماعي، والتأثير في فقه المجتمع وقناعاته، وتغيير اتجاه الرأي العام، انطلاقا من القناعة بأن الإعلام، الوسيلة الأكثر قدرة على تعزيز هذا الدور، وترسيخ مستويات الوعي الاجتماعي بقضايا الأمن والمجتمع والتنمية والإنسان، وترسيخ منظومة احترام القانون؛ ولتمثل لبنة إعلامية واعدة بهوية عسكرية، وإضافة فضائية نوعية تعزز من دور الإعلام في مسيرة البناء الوطني، ورفد أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية بالمحتوى الإعلامي الرصين، والمنتج الفكري المعزز لروح التجديد، ونافذة جديدة تطل خلالها قوات السلطان المسلحة على ميدان المعرفة الكونية، في ظل تراكم الخبرات، وتنوع التجارب، واتساع رقعة التحديات، ووجود منافسات كبيرة بين محطات إذاعية محلية وعالمية، في ظل مشاهدات للواقع، وتقييم للمنصات الإذاعية الحكومية والخاصة، وقياس للرجع الإعلامي، واستشعار بالأولويات الإعلامية، والجوانب التي يحتاج التركيز عليها في المرحلة الحالية والمقبلة، وقراءة لبعض المنصات الإعلامية العسكرية حول العالم، في ظل خصوصية المنظومة العسكرية والأمنية.
لقد جاء احتضان قوات السلطان المسلحة لإذاعة الصمود، تتويجا للنجاحات التي حققتها في مسيرتها المباركة، وجهودها الإعلامية والتوعوية والتثقيفية في التعامل مع مختلف الظروف والأزمات والحالات المدارية التي مرت على السلطنة، بالإضافة إلى التنوع في الرصيد الثقافي والفكري العسكري، على صعيد الإنتاج الثقافي وفنون الإعلام الصحفية، والإصدارات أو المنشورات والصحف والمجالات العسكرية التي كان لها حضورها الاجتماعي المستمر، أو الفعاليات والمسابقات الثقافية، أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي شكلت رصيدا ثريا، أفصحت عن الحاجة إلى إيجاد منصة إعلامية أكثر تفاعلية مع الجمهور وتعمل على التعريف بهذا الرصيد، وإعادة إنتاجه وقراءته، وتوظيف فرص الاستفادة منه في بناء عُمان المستقبل، ليتوّج هذا الاستحقاق العسكري، بإطلاق إذاعة الصمود، والتي جاءت لتمثل حلقة وصل، وجسرا ممتدا يصل هذه الجهود ببعضها، ويعمل على تحقيق التكاملية بين نتاج المنظومة العسكرية والأمنية في تحقيق أولويات رؤية عُمان 2040، وبين ما تقدمه القطاعات المدنية، في إطار من الشراكة والتوافقية والتناغم وتقوية المشتركات والبناء عليها، لضمان حصول الرأي العام الوطني على منتج إعلامي متوازن معبّر، يمتلك روح التأثير والاحتواء، وإعادة هندسة البناء الفكري للمواطن وتهيئة لقراءة أحداث العالم وقضاياه الوطنية في إطار من الوعي والمهنية والحس الوطني المسؤول، متخذة من مصداقية الخبر، وتنوع البرامج، محطة نجاح لبناء القوة الإعلامية التي تحتاجها منظومة العمل الوطني في إطار مبادئ الشفافية، والموضوعية والتوازن، لتشارك مؤسسات الدولة المدنية مسؤوليتها في إعادة إنتاج هذا الإرث الحضاري العماني في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية عامة، والمجال العسكري والأمني وإسهاماته في الاستقرار الاقتصادي وبشكل خاص، انطلاقا من نهج السلطنة القائم على نشر قِيَم السلام والتسامح والتضامن والتعاون، وتعزيز موجهات البناء الداخلي في كل ما من شأنه حماية مكتسبات الوطن الغالي، وعبر تكوين إعلام عسكري متعدد الاهتمامات، متنوع الخيارات، يتفاعل باحترافية مع الرأي العام، ويجسد اهتماماته وطموحاته منطلقا من حجم التقدير الاجتماعي للمنظومة العسكرية والأمنية على حد سواء، وعبر تأصيل مساحة أكبر للحوار مع الرأي العام، سواء من خلال المحتوى الإعلامي المتجدد التي تطرحه في برامجها والذي ينمو بصوة متدرجة، ويتفاعل مع طبيعة المناسبات الوطنية والدينية وغيرها، وما تضمنته الإذاعة مع بداية انطلاقتها القصيرة من برامج رصينة ومساحة واسعة لمشاركة الجمهور والرأي العام في التعاطي مع بعض القضايا التي يطرحها الواقع، فكان "برنامج الصمود" الذي يسلط الضوء على العديد من القضايا الوطنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتقنية، أحد هذه التحوُّلات في نجاح الدورة البرامجية للإذاعة بما يتيحه من فرص الحوار مع ذوي الاختصاص والاهتمام، وأصحاب المبادرات في الموضوعات المطروحة، لضمان الوصول إلى التقاء فكري مشترك لبناء الوعي الاجتماعي، والحفاظ على مساحات الأمن، ويبرز مساحة أكبر لقراءات أوسع للموضوعات المطروحة في إطار تفاعلي، في ظل تناولها في موقع الإذاعة عبر تطبيقات، أو صفحاتها التفاعلية في التويتر واليوتيوب وغيرها، لضمان توسيع الخيارات البرامجية التي تستقطب اهتمام الجمهور المتابع لها، وتلبي متطلباته، وتقدم له المعلومة المتزنة بصورة مبتكرة، وآليات متجددة، بهدف الإبقاء على الروح المعنوية العالية للمواطن العماني في تناغم مع فلسفة التغيير، واستشعار حدس التوقعات في مسيرة الإعلام القادمة، الأمر الذي أتاح لها فرص استقطاب الخبرات والكفاءات الإعلامية في مختلف تشكيلات قوات السلطان المسلحة، في ظل ما تمتلكه المنظومة العسكرية العمانية من ثراء في مجال الإعلام والاتصال والفنون الإعلامية المختلفة، والتي أصبحت شاهد إثبات على عطائها المتميز، حتى غدت الإذاعة بالرغم من حداثة انطلاقتها تضم كوكبة متميزة من الإعلاميين والمذيعين والمعدين للبرامج وغيرهم من العاملين في هذا القطاع من جميع تشكيلات قوات السلطان المسلحة، لتفتح لها الطرق والآمال لانطلاقة إعلامية واعدة، وتبرز في أثيرها الإعلامي أسماء إعلامية لامعة أنتجتها المؤسسة العسكرية وضمنت احتواءها.
أخيرا، تحية إجلال لقوات السلطان المسلحة في يومها السنوي "الحادي عشر من ديسمبر"، والقائمين على إذاعة الصمود، في الذكرى الأولى لمسيرة إنشائها المباركة، ماضية لتحقيق رسالتها، بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين، تستنهض في جمهورها روح المواطنة وفقه العسكرية العمانية، تعلوها همة الأبطال الأشاوس، أبناء قوات السلطان المسلحة، ويدير حركتها فقه الصمود والثبات على المبدأ، الذي يؤسس فيهم نبل العطاء، وسمو المبادرة، وحس التطوير، وكفاءة الأداء، وصدق الكلمة، وعمق التحدي، وحدس التوقعات، وإرادة الطموح، فإن الآمال تتجه في أن تمتلك إذاعة الصمود في مسيرتها الإعلامية الحافلة بالعطاء الواعد، من الأدوات والقدرات والاستعدادات للاستجابة لمتطلبات المرحلة القادمة، والقدرة على التعايش مع معطياتها بكل كفاءة ومهنية، ومستوى التأثير الذي يمكن أن تحدثه رسالتها في المستهدفين من مختلف شرائح المجتمع وايقاد الروح الإيجابية في الشباب، وتعميق حس المواطنة والهُوية الوطنية فيهم، وغرس قِيَم العطاء والانجاز والخيرية والعمل المعبرة عن الصورة المشرقة للإنسانية العمانية في حوارها وتسامحها وسلامها، والعزة والكرامة والشموخ للجندية العمانية في ساحات العطاء وميادين التضحية والفداء وفاء لعُمان وباني نهضتها ـ طيَّب الله ثراه ـ وولاء لجلالة السلطان المعظم حفظه الله.