إبراهيم بدوي:
مرة تلو الأخرى، تؤكد السلطنة على قدراتها الكبيرة في ربط الدبلوماسية بتقوية العلاقات الاقتصادية، في ربط فريد بين علاقاتها الخارجية، ومتطلبات شعبها التنموية. فالمتابع للزيارة السامية لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لدولة قطر، وما تحقق هناك من اتفاقيات ستفتح الأبواب نحو مستقبل أفضل من العلاقات التي تستفيد من بوابة العلاقات الأخوية، وتطورها بسمات تعتمد على المصالح المتبادلة التي تصب في مصلحة الشعوب، وهو ما حدث أيضا أثناء زيارة ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سليمان للسلطنة، وما دار من مباحثات بناءة، بنت جسرا جديدا من العلاقات التنموية التي سيكون لها في المستقبل القريب دور كبير في تحقيق البرامج والتوجهات والرؤى التي تملكها السلطنة ممثلة في رؤية عُمان 2040 ورؤية ولي العهد السعودي في النهوض ببلاده 2030.
فاختيار السلطنة لتكون انطلاقة جولة خليجية لولي العهد السعودي لها مؤشرات قوية تؤكد الدور الحيوي والبنَّاء الذي تلعبه في محيطها العربي والخليجي، فالدبلوماسية العمانية الهادئة التي تتخذ خطوات دوما نحو تحقيق مصالح الشعوب، أصبحت مرجعية لكل صاحب رغبة في إقامة علاقات تنموية تجمع أكثر ما تفرق، وتضع المصلحة المتبادلة عنوانا لزيادة روابط الأخوة وتقويتها، وتحترم الاختلاف وطبيعته الإنسانية، وتنطلق من احترام السيادة للدول الشقيقة والصديقة، وترفض التدخل في شؤون الغير دون دعوة لتقديم أوجه الدعم والمساندة وحلحلة المشاكل التي يصعب حلها إلا بالهدوء العماني البعيد دائما عن التشنج والنعرات التي تفرق بدلا من أن تجمع. فالسلطنة كانت خير بوابة لولي العهد السعودي الساعي لتقارب خليجي، يراعي الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم، والتي تفرض عودة الترابط البناء لدول المجلس لمجابهة التحديات العالمية الجديدة، والتحدث بصوت واحد تجاه أبرز الأزمات العالمية.
إن عمق الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي انعكس على قوة البيان الذي خرج منها، بالإضافة إلى الكثير من مذكرات التفاهم التي وُقعت في العديد من المجالات الحيوية، خصوصا الجوانب الاقتصادية منها، كما تم رصد مبالغ كبيرة للاستثمار السعودي في السلطنة في المجالات التي تتكامل بها الأنشطة الاقتصادية العمانية السعودية، بالإضافة إلى افتتاح طريق الربع الخالي بمنافذه الحدودية المهمة في فتح منافذ برية للمنتجات في الاتجاهين، مما سينعكس على الحركة التجارية للمنتجات السعودية والعمانية نحو العالم أجمع. فموقع السلطنة وما تملكه من قطاع لوجستي واعد يؤهلها لتكون بوابة تجارية لكافة منتجات العالم، بوابة تساعد على إقامة صناعات كبرى في الدولتين الشقيقتين، ستمتلك قدرات تجارية واسعة.
لعل الزيارات الأخيرة تعكس الفكر السامي لجلالة السلطان الذي يسعى منذ توليه مقاليد الحكم إلى تجديد النهضة بالاعتماد على العلاقات الأخووية وتقوية أواصرها بإقامة صروح اقتصادية تحمل التنمية المستدامة كخيار أساسي في العلاقات بين الشعوب. إنه فكر سامٍ يصنع آفاقا جديدة للعلاقات الدبلوماسية في المستقبل، ويحمل تطلعات المواطن العماني نحو مستقبل أفضل كخيار رئيسي يؤطر العلاقات بين السلطنة ومحيطها الإقليمي والعالمي، إنها رؤية مزجت بين الدبلوماسية الفاعلة، والاتجاه الاقتصادي نحو التنمية المستدامة، رؤية حملتها السلطنة وآمنت بها، ورأتها السبيل الوحيد لإقامة علاقات أخوية صحية، واستطاعت بعد عقود أن ترسخها وسط شعوب المنطقة، وتضحى هي الصوت الملهم لأبناء المنطقة وقادتها. وأتوقع أن تنطلق العلاقات الخليجية الخليجية لرحابة التكامل الذي يراعي كافة مصالح أبناء المنطقة في القريب العاجل، فالسلطنة تعطي نموذجا لما يمكن أن تحققه تلك المعادلة في العلاقات بين الدول، خصوصا الدول الشقيقة.. إنها رسالة عمانية تحمل رؤية نحو مستقبل أفضل للمحيطين الخليجي والعربي.