[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
قبل أن نطرح مجموعة تساؤلات كبيرة، فإن هناك ملاحظة مهمة جدا، لابد من قولها، وهي تشكل شغل الشاغل للكثير ممن يهتمون بأمر المجتمع، ويقلقون على تطوراته السلبية، وهي سوف تشكل أرضية لطرح التساؤلات، كما أنها تفتح نافذة لفهم جزء من خيار العنف المجتمعي الذي يتفجر كل فترة زمنية، والملاحظة تكمن في عملية اطلاق النار في مناسبات الأعراس، وللأسف، يفعلها الكبار بحضور نظائرهم الكبار دون معارضة من حاضر منهم أو غائب سمع عنها أو قيام اية مؤسسة بتحريك الدعوي العمومية، لأن المخالفين كبار، فكيف يتم جرجرتهم للمحاكم وهم من الوزن الثقيل ؟ ولم يتم حتى الحديث معهم، فهل هم فوق القانون ياوطن؟
وعمليات اطلاق النار في مثل هذه المناسبات دون ردع أو عقاب يترتب عليها تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة جدا، ابرزها، انتشار عملية اطلاق النار حتى تصبح ظاهرة مجتمعية، بدليل أن عملية اطلاق النار لم تعد محصورة في فئة الكبار فقط وإنما تنتشر حسب الاعتداد النفسي بالمكون المجتمعي، وكذلك، تحول عملية اطلاق النار الى أن تصبح من البديهيات والمسلمات في النفسيات المجتمعية، اي انها تكسر حاجز اللاممارسة والتردد الى اعتبار اطلاق النار كمظهر من مظاهر التفاخر بالمكانة الاجتماعية ومعيار رجولي (...) وأول ما سوف يتأثر به الشباب الذين يعيشون هذه الأيام في مناخات الخلفيات المجتمعية التاريخية، كما سوف يترتب عليها كذلك، الشعور بضيق المكان رغم اتساعه، ورغم أنه يستوعب الكل، فهل تعييون يا كبار أنكم تقودون هذا المجتمع الى مسارات العنف بدلا من تكريس وتعزيز حالات التعايش الكثيرة والكبيرة، إذن، لابد يا وطن من التشديد على منع اطلاق النار في مناسبات الاعراس، والكشف علانية وعبر وسائل الإعلام عن توجه الدولة في وقف هذه الظاهرة عن طريق القانون بعد التشديد والتغليظ في مواده .. ودون ذلك، فهل رهاننا على خيار السلاح يعني أن مجتمعنا يسير نحو التقدم أم الى التخلف ؟ وهل السلاح أو العنف في صوره المختلفة يمكن ان يشكل خيارا عقلانيا ومصلحة للفرد أو الجماعة أو هما معا ؟ بمعنى، هل هناك ضمانة أن لا يؤلد العنف عنفا مضادا، وبوتيرة أكبر، على اعتبار أن لكل عنف وله عنف مضاد أكبر في انيته، وله تداعياته نفسية ومادية مستقبلية، وقد لا يمكن السيطرة عليه، كل أحداث العنف الأخيرة التي وقعت خلال الثلاث والأربع سنوات الاخيرة وما صاحبها من تعبئة معنوية (ضدية) قد غذت النفسيات المجتمعية وبالذات في صفوف الشباب باحتقانات مرتفعة وعميقة، يمكن أن تنفجر عند اية احتكاك فيه عنف، فكيف وصلنا الى هذه المرحلة؟ بالتأكيد نتيجة لغياب المساءلة والمحاكمة عن طريق القضاء، وجعل القضايا معلقة أم تحت مظلة الحكم العرفي، إذن، من له مصلحة فيما جرى ويجري بين مجموعة جماعات محلية رئيسية؟ لابد أن يطرح خذا التساؤل بهذه الكيفية احتراما للمنطق العقلي، وتقديرا لمصلحة ديمومة الاستقرار والتعايش المجتمعي، إذ لا يعقل تصور براءة وتلقائية حالات العنف التي تنفجر بين كل لحظة زمنية بين الجماعات المحلية خاصة وأن هذه الجماعات ترتبط فيما بينها بعلاقات نسب وقربى ومصاهرة وجوار، ورؤى ومصالح مشتركة .. ما يجعلها تعيش في سلم واستقرار دائمين وخالدين مهما كانت الخلافات أو الاختلافات القديمة أو المستجدة، كيف لها أن تتحمل البراءة، وقد وصلت منذ السنتين الأخيرتين الى خيار السلاح، ومشهد العنف يوم الخميس الماضي مشهد شاهد عيان ينبغي أن نبني عليه حججنا في طرح هذه القضية للمرة الثانية على التوالي، لأن حدة العنف فيه تهز تعايشنا السلمي من العيار الثقيل، وبالتالي لا يمكن قبول أن ينتج عنه ضحايا بشرية تأزم النفسيات بصورة مستدامة، إذن، من له مصلحة في اشعال العنف بين الأخوة؟ وهل افراد مجتمعنا بهذه السهولة والبساطة بحيث يمكن أن تنطوي عليهم المؤامرات، وتدفع بهم الى استخدام الرصاص ضد بعضهم البعض؟ أين حكماء هذا الزمن؟ لابد من خلال فتح ملف التحقيق في القضايا التي وقعت خلال السنوات الاخيرة، وهنا، نقترح تشكيل لجنة قضائية وبرلمانية رفيعة المستوى لفتح قضايا العنف المجتمعي، ومحاكمة المتورطين فيها، وإنزال اقسى العقوبات عليهم، فمن غير المعقول والمقبول أبدا، إغلاق ملفات القضايا أو تعليقها حتى تدخل في معمعة السنين، لكي تنسى أو تتناسى .. ولن يحدث ذلك في كلتا الحالتين، وهذا يبدو لنا أنه نهجا قديما وجديدا، مهما كانت مبررات نجاحه في الماضي، لكنه بالتأكيد غير مجدي حديثا، فالأغلاق والتعليق يؤلد شعور ذهني يزيد من حدة العنف الاني على اعتبار أن القضية ستؤول اما للحكم العرفي أو سوف تدخل في طوري الاغلاق والتعليق ، وبالتالي، فقد وصلت هذه النفسيات الى قناعة رفع حدة العنف والعنف المضاد في انيته لانعدام افق المساءلة والمحاسبة التالية.
وهذا البعد السيكولوجي المهم هو الذي يقف وراء تصاعد العنف والعنف المضاد، وتعاظم قوتهما الانية، ونحاول هنا من خلال التعاطي مع قضايا العنف المجتمعية من مختلف الابعاد والخلفيات التأكد على خطورة الاستمرار في ذلك النهج القديم الجديد، وعلاقة التبعية بينه وبين تجدد العنف على ارض أو بئر ماء ... إذن، من يقف وراء العنف المجتمعي في ظفار؟ تكرار التساؤل ينبغي أن يفسر على ضرورة الاحتكام الى المحاكمة لكل من يتورط في القضايا الحديثة والقديمة، سواء كانوا فردا أو جماعة أو مؤسسة حكومية يستغلها فاعلون لماربهم الخاصة .. نطرح هنا كل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، العقلانية والعاطفية .. المسموح بها وغير المسموح بها، لأن أحداث يوم الخميس لن يقبلها أصلا من حيث المبدأ اطراف تلك الأحداث أنفسهم .. ولن يتمنونها ابدا، لعلم كل طرف منهم بنسبية قوته من جهة ولعلاقة القربى التي تجمعهم من جهة، وفتح التحقيق المحايد والمهني سيغلق ملف خيار العنف المجتمعي، لأنه سيكون وسيلة ردع مستقبلية، ودونه ستفتح أبواب العنف على مصاريعه لوجود من يدفع بأفراد المجتمع الى العنف سواء كان فردا أو مؤسسة.