[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
” كانت العتمة في قلبي تحجب النور وتحاصر الأنفاسَ والريحَ والرؤية،
الحصارُ موت،
فهل نحن موتُ الحصار أم حصارُ الموت.؟!
عدت إلى قوقعتي…
تنفّست أنفاسي…
قلت: ما لي وللحلم؟! ”
ـــــــــــــــــــــــــ
آبَ إليّ آبٌ، وقد يبسْتُ مثل قشَّة خلّفها الحصّادُ في الحقل،
يبسَتْ أوراقي وغصوني يومَ الولادة،
وانزوَت عن شجرتي العصافير،
وتوارت الخضرةُ خلف رمضاءِ الوقت…
أوهاني الزمان والمكان قبل الأوان،
الفِراش يمتصُّني ويمَلُّني ويدُعُّني…
" انهض أو مت…
.".. انهض أو مت
وينداحُ في وعيي الهولُ هوانا بعد هوان…
محنةٍ بعد امتحان…
وجعُ الأيام يزداد توغّلاً في العظم والعَصَب،
الوحدة موت…
الوحدة موت…
ولا أكاد أجد نفسي بين حطام الآمال وأشلاء الرؤى ومِزَق الناس…
يا لهول مِزَقِ الناس على الأشجار…
على أسلاك البرقِ وقضبان حديد البيت المنهار…
يا وجعَ القلب.. وجعَ الدار…
أين أنا.. والوحدة.. موت..؟
قيل: "احلم.. تنفّس.. افتح نوافذ الأمل…
الشمس مشرقة، والنور يجتاح الكون ويغمر الخلق، والدنيا صيف،
والصيف آفاقٌ مفتوحةٌ على المتعة…
جرّب آب."…"
حاولت…
كانت العتمة في قلبي تحجب النور وتحاصر الأنفاسَ والريحَ والرؤية،
الحصارُ موت،
فهل نحن موتُ الحصار أم حصارُ الموت.؟!
عدت إلى قوقعتي…
تنفّست أنفاسي…
قلت: ما لي وللحلم؟!
صباحي يبتهج على صفحات جراحي…
الحلمُ لا يلائم حالي ولا يشغل بالي…
اذهب أيها الحلمُ الجميلُ إلى قلوب أخرى، في أممٍ أخرى، في أرضٍ أخرى،
فإن قلبي ارتحلت عنه الحياةُ والأحلامُ والمتعُ منذ عقود،
…حَشَفُ القِنْوِ أنا.. جريدُ النخل.. خليل القَشِّ.
يبِسْتُ واصطفاني القَش خليلاً…
لم يعد في هذا الكيان الهشِّ قلبٌ يحلم.. أو حلُمٌ يتجسَّد، ينبض…
الحلم والجمال والأمل والمقدَّس في انتهاك…
الأحلام ترَفٌ يليق بغيري.
أشعر ببقايا من ذكريات واندفاعاتِ حياةٍ في شقوق الجسدِ.. الوقت،
تشدّني من شَعري في الطرقات علامات…
تجرْجرُني مغلولاً بواقعي فوق الشوك، الرمل، المجنزرات.. ومناقع الدم…
تتركني مشدودا إلى جدار وحبل مشنقة غليظ…
يا لعيني؟ الرؤية موت قبل الموت…
أرى الأمويّ الكبير يحترق، الإرث المقدس نار…
الكل يحترق…
الدولة، الآثار، الأفكار…
النهب يطال الدّم…
وكل القيم العليا تحت الأرجل.
يا أنا المجرَّح من وقْع خناجر الناس…
أُصلَب في عتمة الظلم…
روحي لا يتصل بالحق…
روحي رصيف في طرقات الخلق…
أُعلَن أني المحنة، أني الفتنة، وأني الامتحان.
لا تلمسني يا فتى.. يا غضَّ الإهاب،
لا تلمسني حتى لا تُصاب بعدوى الغَم…
ابتعد عني أنتَ الغِرّ…
ابتسامتك الحلوة طِفلة…
ابحث عن فجوة في الظلم، عن ثقب في قلب الظلمة يسرب منه النور.. الأمن…
احلم قبل فوات الوقت…
انشب أظفارك في الصخر…
أنبُش…
فتّش عن ماء…
فتّش عن حلُمٍ، عن أمل يزهر، عن بعض سماء.
لا تسلك دربي حتى لا يلتصق بك الشوك الضُّرَّيْسُ،
يلاحقك القتلُ الإثم الهم.. الناس…
لا تنظر نحوي حتى لا تزعج روحك،
عينك تنخر عيني الحبلى، تنقل عني حال الأنفس، حال الناس…
أنا.. مِن نحنُ، ونحن البؤس.. الباس.. يباس الناس…
.يُسلِم كلٌ منا الآخر للبؤس.. الياس
أسرع.. عني.. طفلَ النظرة…
أبعد عينك عني…
أبعد وجهك عني…
أبعد ظلك عني…
حتى لا تغدو حَشَفَ الحسرة.
لا.. لا تنظر.. لمَ لا تركض..؟!
اسمع يا بَغْواً في صَدَفَة…
اسمع قصة:
وقعِت قربي اليومَ حمامة،
قطٌ يشحطها قدَّمه…
يأكلها في الظل الأخضر، تحت الشجرة.
راقبت المشهد حتى الغاية…
حتى آخر نَهْشَة…
لم ينبض قلبي، لم يصبح شعري شوكَ القُنفُذ…
لم يتغير لوني…
جفني ما رفَّ، وما لاجَ الدمع بعيني…
لم أشعر غزوَ القسوة…
كان الموت بحضني، ينتفُ ذقني،
يعبث.. يصهُل.. يضحك مني…
..إني اعتدت الموت بحضني.
كان الماثل في قلبي مشهدُ موتِ الناس بدرب الناس، بأيدي الناس،
ماتت في نفسي الأنفاس…
مات الإحساس ببلوى الناس…
مزَّقني بؤسُ لا يرحم،
أَنساني إحساسي بالناس.
مرَّ بقربي نفَرٌ يمرح.. يضحك.. يهتف…
قالوا: نضحك.. يومٌ عيد…
اضحك هذا اليوم سعيد.
نظرت عيني.. سلت سؤلاً…
غابت عني الشبهة: عيد..؟
أية أمشاج للعيد..؟
أية أشباح للعيد..؟
أية أوهام بالعيد.!؟
هذا الدَّمُّ نشيدٌ.. هذا الدَّمُّ فريد…
لا عيدٌ بأرض الشام…
عزيف الجنِّ وحيدٌ، نزيف الأرض نشيدٌ.. أين العيد!؟
قالوا: اضحك، يومٌ عيدٌ.. ذبَّحْنا منهم ألفاً، ألفاً.. هذا العيد.!؟
مِنّا.. منهم.. منهم مِنَّا..!؟
ينساب الدَّمُّ حزين اللون، يهيجُ الخوف، تُكتَّم أنفاسُ الأحياء…
يلُمّ البؤس حصاد الوقتِ…
أناسٌ فوق أناس، حقلُ يباس…
أين العيد.. وأين.. وأين.. !؟
وأسكت.. أسكت.
هذا وقت الصمت، الموت.. وهذا وقت الحسرة.
إنا في أضحى من نوع فيه جديد…
شكل من أشكال العيد.!؟
من دهرٍ طال، دمانا تروي الأرض،
الدم يسحُّ بوجه الأرضِ،
ويَشْقَعُ مثل مزاريبِ الشهر العيد…
في كانون الثاني.. العيد.!؟
القتل يحشُّ الرُّضَّعَ…
هذا زمنٌ يهذي.. دهرٌ طالَ،
وهذي صور الأعياد على العُبَّاد…
زمنُ القتل يطول، ونحن جراحٌ غَرثى تبكي…
إن لاءُ الحقد دفين…
يُنكَأُ فيه الجرحُ بحرفٍ يحكي منشار السّكين،
يُنْكَأ، يُجرَح، يُذبَح…
لاتَ مُعين.
لم أعرف ما معنى العيد الحق بيومٍ من ذات الأيام…
لم أفهم كيف يهيج الضحك ببحرٍ الدَّم، ويلمع حد النصل بقلب الناس…
.مات الإحساس
سألت.. سألت.. سألت…
ما أَشفى توقي قول،
ما شافت عيني شارة عِلْم،
ظلَّ العيد وحيداً.. في الطرقات…
وأنا والتيه.. غمرات الموت على غمرات،
يجاوب سؤلي الغم،
وقلبي الدَّمِّ، وعيني الدَّمع،
أنوسُ.. شموع الريح بعصف الوعد وقصف وعيد…
المولِد.. عيد…
وأنزف في كل الأوقات. وريداً يدفق بعد وريد…

ـ 2 ـ
وكلٌ إلى منتهى.. يا فتى…
ويُشْرقُ ليلُ، ويظلم صبحٌ، ويبقى فضاء النفوس المسار إلى لا منار…
وحاجات نفس على " دَمِنِ التربِ" تثوي، تموت بليل لتحيي النهار…
فلا الليل يحيا ومات النهار،
وظلَّت فضاءات نفسي ظِماءً،
تَقِيظُ بليلٍ وتضحي بنار…
يشيخ النهار…
وتنزف شمسُ الغروب دماً في البحار…
ونبقى شجاراً ونمضي بنار لنحرق نار.
وكلٌ إلى منتهى.. يا فتى…
عظامُ الأمور يصغِّرها الجهل، ويُبقى صغارَ الأمور كبار!؟
فيا حسرة من صغار النفوس، ويا حسرة حين يُقْعي الكبار.
ونسأل، من حسرة في القلوب، عن المُعْسِراتٍ يرُمن القفار
أعين الوجود تضيق بنا يا ترى..؟! أم نضيق بها في مدار المدار
وكل إلى منتهى .. يا فتى.
ـ ٣ ـ
فيا عجباً.. يا فتى…
الإنسان أفق ضيق.. وبعض الناس ضيق.
أنت الذي يتلاشى في النور…
وأنت الذي يخفيه الظل…
وأنت الباحث في الظل والنور عن أنت…
اعرف من أنت.
لكن…
من تُراه يعثر في هذا الوجود على ذاته،
ومن تصفو في عينيه الرؤية…
ومن.. ومن..!؟
كلُّ العيون رَمَد…
وكلُّ الألسنة خَرَس…
وكلُّ العمران قفْر…
ولا بد من حياة مع اليأس، كي لا يقتل اليأسُ الحياة…
فكّر في الذات ومعنى الذات.. وفي: مَن أنت…
فلن ينقذك مما أنت فيه إلا أنت…
لن ينقذك إلا أنت.
يا عين العقل لا تصرفي النظر عن هذا الوجود الدامي، وجودنا…
ولا ينقطعنْ عزمُك بعد كل رؤية وبعد كل سقوط.
فبعد كل سجدة.. رحمة…
وبعد كل رحمة سجود.
يا عين العقل أبصري بنور القلب.. بعين الحب.. بعين الوقت…
ويا قلب ابصر بعين العقل…
فما خُلقنا عبثاً…
لسنا زبَدَ الكون…
ويا أيها الوجود امنحني شعاع نور لأرى ذاتي في كل ما يمزِّق ذاتي،
وفي كل ما ينتشر من قبورٍ حولي…
وامنحني الصحوَ.. وصبحَ الرؤية…
رؤية ذاتي في سَقطاتي، في نزواتي، في غَشَياتي.
بعضُ الموت حياة وبعضَ الحياة موت…
فلنبحث عن الحياة في الموت.
أمس، واليوم، وغداً.. كلها زوايا حادة…
مشارط جرَّاحين…
الزمن حرابٌ في كل اتجاه…
وحربٌ في كل الأوقات…
وبين الحراب في الحرب نعيش.
المخارز تتجه صوب العيون…
والخناجر في الخواصر.
آه.. من ينتشل مخرزاً من بؤبؤ عيني.. ونصلاً من خاصرتي لأعيش…
مَن يريح قلبي من سهمٍ مسموم يسكب فيه الموت…
ومَن ينتشلني من بئر الوقت…
مِن جوف الحوت، وقلب العتمة، حلق الفتنة…
مِن زحمة خلق في ميدان الرزق يبيح الفسقَ وقتل الله الحق..!؟
يهوش.. يهوش، هياج وحوش…
مَن ينقذني من فلتات جنونٍ جَيَّش كلّ جنون الموت جيوشاً بعد جيوش…
آهٍ.. مِنْ.. وآهٍ مِنْ..!؟
فيا فضاء العمر الممتد طَبَقاً من قشٍّ هَشٍّ…
في ماء راكد هوْ لألاء سراب…
أرسل ريحاً تعصف بالماء، لينبض قلبُ الماءِ…
يفور نداءُ الماء…
أرسل نوراً يخرق قلب الظلمة…
أرسل أملاً يخدعُ سِربَ سرابٍ يلمع…
أرسل.. أرسل.. أرسل…
أهٍ.. آهٍ.. آه…
لا عينٌ ترى ولا أذنٌ تسمع…
الوقت سبات…
الوقتُ موات…
هذا مقتٌ، ما أصعب مقت الأوقات…
يا يومي لا تقتل أمسي، كي تحيا لحظةَ صمتٍ ثرثارٍ في ظل الوقتِ.. المقت…
في ظلٍ من عقلٍ ينهار…
يا أمسي لا تقتلْ يومي…
كي أبصرَ ظلَّ اليوم القادم بين صليل الورق المصلت سيفاً.. ليلاً.. مقتاً…
يا زمني لا تبذر شوكاً.. كي نحصد قمحاً…
نحن جياع…
لا تفعل.. فالقمح حياة…
والعيش، بمعنى العيش، عبادة…
والعمر نبات.. بعد نبات…
يا زمني ارحم.. لا تقتل أنفاسَ الوقتِ.. الزهرِ.. الناس…
لكل وقت طعم…
لكل حيٍّ سهم…
وكلٌ إلى منتهى.. يا فتى.